رئيس الجمهورية: متمسكون بالسياسة الاجتماعية للدولة    انضمام الكونفدرالية الوطنية لأرباب العمل الجزائريين لمجلس التجديد الاقتصادي الجزائري    هادف : اللقاء الدوري لرئيس الجمهورية مع الصحافة حمل رؤية ومشروع مجتمعي للوصول إلى مصاف الدول الناشئة في غضون سنة 2030    أوبك: توقعات بزيادة الطلب العالمي على الطاقة ب 24 بالمائة بحلول 2050    الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي السنة القادمة    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 41 ألفا و870 شهيدا    تونس: انطلاق عملية التصويت للانتخابات الرئاسية    رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر تواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    المطالبة بمراجعة اتفاق 1968 مجرد شعار سياسي لأقلية متطرفة بفرنسا    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة في الدفع بعدم الدستورية    مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    رئيس الجمهورية: سيتم إرساء حوار وطني جاد لتحصين الجزائر    الكشف عن قميص "الخضر" الجديد    محلات الأكل وراء معظم حالات التسمم    صدور مرسوم المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي    انطلاق الطبعة 2 لحملة التنظيف الكبرى للجزائر العاصمة    المعارض ستسمح لنا بإبراز قدراتنا الإنتاجية وفتح آفاق للتصدير    عدم شرعية الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المغرب.. الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية    رئيس الجمهورية: الحوار الوطني سيكون نهاية 2025 وبداية 2026    ماكرون يدعو إلى الكف عن تسليم الأسلحة لإسرائيل..استهداف مدينة صفد ومستوطنة دان بصواريخ حزب الله    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    البليدة..ضرورة رفع درجة الوعي بسرطان الثدي    سوق أهراس : الشروع في إنجاز مشاريع لحماية المدن من خطر الفيضانات    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية : ندوة عن السينما ودورها في التعريف بالثورة التحريرية    رئيس جمهورية التوغو يهنئ رئيس الجمهورية على انتخابه لعهدة ثانية    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف، مولودية قسنطينة ونجم التلاغمة في المطاردة    اثر التعادل الأخير أمام أولمبي الشلف.. إدارة مولودية وهران تفسخ عقد المدرب بوزيدي بالتراضي    تيميمون: التأكيد على أهمية التعريف بإسهامات علماء الجزائر على المستوى العالمي    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    لبنان تحت قصف العُدوان    بلمهدي يشرف على إطلاق بوابة الخدمات الإلكترونية    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    البنك الدولي يشيد بالتحسّن الكبير    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    استئناف نشاط محطة الحامة    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن عبد الوهاب بوزاهر..
نشر في الجزائر نيوز يوم 25 - 01 - 2014

على امتداد حوالي خمسين عاما عرفتُ نماذج عديدة من الناس، بعضهم رغم الزمالة الطويلة في الثانوية والجامعة والصحافة والسياسة والبرلمان وفي الحياة العامة مع أبسط الناس أصبح نسيا منسيا لا تواصل معه ولا اتصال به بعد فترة قصيرة من انقضاء فترة الزمالة.
بعضهم كان التواصل معه والاتصال به يتم بشكل شبه يومي عندما كانت لنا مسؤوليات هنا أو هناك، وكان الهاتف الثابت والنقال عندما دخل الخدمة في الجزائر منذ حوالي عشريتين من الزمن الوسيلة السريعة والناجعة بل والدائمة للتواصل مع بعض هؤلاء.
شخصيا لا أعتقد وقد يشهد البعض على ذلك أنني من الصنف الذي ينسى أصدقاءه أو يتنكر للعشرة والصداقة والحب الصافي الخالي من شوائب المادة وتقلبات الزمن بمجرد انتهاء مسؤوليات هذا المسؤول أو إحالة الآخر على التقاعد، بل كنت أحرص أشد الحرص على التواصل مع بعض الأصدقاء بمن فيهم بعض المسؤولين بمجرد إحالتهم على التقاعد أو تهميشهم من مواقع المسؤولية.
وقد حافظتُ بقدر المستطاع على علاقتي بكثير من الأصدقاء الذين كنت أتوسم فيهم الصدق والوفاء والمروءة، وهي مزايا وصفات تكاد تصبح عملة نادرة في هذا الزمن الذي يتقلب بعض ناسه ويتلونون كما تتلون الحرباء مع كل فصل.
ويكاد البشر الذين يؤمنون بمختلف الصفات الحميدة ويتميزون بمثل هذه المزايا يصبحون من الفئات البشرية البائدة والمنقرضة.
في الأسبوع الماضي ودعت الجزائر وودع كثير من الناس، مسؤولون في مواقع مختلفة بمن فيهم وزراء وقادة أحزاب وسياسيون وأناس بسطاء عاديون شخصا لم يكن عاديا في علاقاته الإنسانية الدافئة.
كان عبد الوهاب بوزاهر سفير الجزائر في اليمن الذي ودعناه شخصا مثاليا في الوفاء والطيبة والصدق والبر بالوالدين والعلاقات العائلية الدافئة.
ولعل البكاء الحاد الذي صاحبت به الصبية بثينة والدها عبد الوهاب وهي تودعه سواء عندما كان ينقل على النعش من منزله أو أمام عتبة المسجد أو لحظة الوداع الأخير بالعالية، كان يحمل الكثير من المسحات الإنسانية التي كان يتميز بها الرجل بين أولاده وأهله ومع أصدقائه ومع كل من عرفوه بخصاله ووفائه ومروءته التي لا حدود لها.
لقد أدمتْ الصبية بثينة شقيقةُ طه وياسين قلوبنا ونحن نودع الراحل، فأبكتنا وأدمعت قلوب مَن تجمعوا في تلك الظهيرة الماطرة.
يقول شقيقه الأكبر محمد السعيد الرائد المتقاعد من الجيش الوطني الشعبي إن عبد الوهاب كان مثالا حيا في الصفات الإنسانية العالية لدى عائلته وأصدقائه ومعارفه جميعا، ظل يقدم أثناء حياته منذ بدأ العمل نفقة شهرية لوالديه، ويتصل معهما بشكل يومي إلى أن انتقل والده للدار الباقية، وواصل الواجب نفسه مع والدته أطال الله عمرها وأمدها بالصحة.
فقد كان يتصل بها يوميا عبر الهاتف ويوصي أخاه محمد السعيد بها خيرا بعد انتقاله لصنعاء، بل إنه ظل يتحدث معها عبر الهاتف ويطلب منها أن تزوده بدعوات الخير.
يتحدث الصديق عز الدين ميهوبي رئيس المجلس الأعلى للغة العربية عن عبد الوهاب فيقول متأثرا إن معرفته بصديقه عبد الوهاب ترجع إلى عام 1980 عندما التحقا سويا بالمدرسة العليا للإدارة.
ويردف قائلا: إنه منذ الأيام الأولى للدراسة تولدت علاقة صداقة وتواصل يومية مع عبد الوهاب، فقد كان معروفا عن الطالب عبد الوهاب رغبتُه الجامحة في مناقشة مختلف القضايا السياسية الوطنية والدولية المثارة في تلك الفترة، إذ كان لا يخلو مجلس يكون فيه عبد الوهاب حاضرا من الحديث عن الشأن السياسي، وكانت القضية الفلسطينية تستأثر بجل اهتمامه، ثم جاء اجتياح لبنان على يد السفاح شارون ومذابح صبرا وشاتيلا فكانت تستثير هي الأخرى مشاعر هذا الطالب الجامعي الذي كان معروفا لدى الأوساط الطلابية بنزعته العروبية المفرطة أحيانا.
ثم يضيف ميهوبي أنه التقى في عام 1994 بصديقه عبد الوهاب في العاصمة العراقية بغداد، وكانت أرض الرافدين وقتها تمر بظروف عويصة وصعبة.
ويذكر عز الدين بهذا الصدد عبارة قالها له صديقه عبد الوهاب حينها وهما يجلسان معا في تلك الأمسية البغدادية:
إنك إنْ تُقاسِمَ الناس همومَهم فإن ذلك بالنسبة لي يعد بمثابة الجائزة الكبرى التي ننالها، لأننا لسنا أفضل ولا أحسن منهم.
لا أدعي أنني عرفت هذا الصديق العزيز الوفي قبل فترة مبكرة ولكنني أشهد أنني منذ عرفته قبل عشرة أعوام مضت إلا و كان كل يوم يزداد في عيني وتزداد محبته لما وجدته فيه من صدق ووفاء ومروءة بل ووطنية جامحة صادقة، إذ كنت ألاحظ أحيانا وكأن الرجل يحمل كل هموم الجزائر على عاتقه.
كانت نقاشاتنا مذ كنا نعمل معا في رئاسة الحكومة تمتد لساعات نعرج فيها على أمهات القضايا الوطنية وعلى مختلف القضايا الدولية الراهنة آنذاك.
وكان عبد الوهاب كثيرا ما يفضل مرة أو مرتين حسب ما تسمح به ظروفنا أن يقودني مشيا على الأقدام من قصر الحكومة إلى ساحة الشهداء لتناول الأكلة الشعبية المفضلة لديه وهي الدوبارة، فقد كان مولعا بها، مثلما هو مولع بحب الجزائر وبسكرة خصوصا.
كان خلافنا أحيانا خلافا وديا ولم يكن خلافا في الأفكار والطروحات، فقد كنا نلتقي في كثير من القضايا الراهنة وطنيا وعربيا ودوليا، وقلما كتبتُ مقالا أو نشرت كتابا دون أن أجد عبد الوهاب معلقا أو محللا أو مصوبا لفكرة أو مضيفا لرأي.
كان لعبد الوهاب رحمه الله رأي في الأزمة التي أعقبت المؤتمر الأخير في 2010 لحزب جبهة التحرير الوطني، وكان للعديد من أصدقائه الأفلانيين ومن بينهم كاتب هذا المقال رأي آخر.
ثم كان له رأي في الانتخابات التشريعية والمحلية لعام 2012، وكانت لنا قراءتنا المختلفة، إذ كنت شخصيا أرى أن رياح الأزمة العاتية كانت مقبلة لا محالة لزعزعة استقرار الحزب بالرغم من النتائج التي حصل عليها في انتخابات 2012، ولكن القراءة المختلفة لكلينا ومواقفنا المتباينة من بعض الأشخاص لم تفسد مع ذلك ودنا وصداقتنا العميقة والصادقة على الإطلاق.
كان عبد الوهاب رحمه الله يعترف أن إبعاد كثير من الشخصيات الكاريزمية والكفاءات الأفلانية والمناضلين الحقيقيين الذين صمدوا خلال السنوات العجاف التي مرت بها الجزائر وحزب جبهة التحرير الوطني خصوصا يعد إجحافا في حق الحزب وفي حق هؤلاء المناضلين، ولكن الرجل مع ذلك كان وفيا لأصدقائه ولموقفه الذي لم يكن يداري فيه أو يجامل أيا منا نحن الذين كنا نختلف معه في قراءتنا للأزمة التي كنا نراها قادمة وحتى الموقف من بعض القياديين في الحزب.
ولعل هذه الصفات من المروءة والوفاء والصدق والصراحة هي التي جعلت الكثير من أصدقاء الراحل عبد الوهاب حتى ولو اختلفوا معه يحبونه ويحترمونه ويقدرون عاليا موقفه ورأيه الذي لا يعرف المجاملة أو المداراة.
لقد كان عبد الوهاب لمن لا يعرفه شخصا حاد الطباع معتدا برأيه، ولكن الذين عرفوه عن قرب أدركوا أن عبد الوهاب كان ألْيَنَ من الحرير وأرقَّ من القطن، ولكنه يبقى مع ذلك مناضلا شرسا لا يجامل أو يهادن كلما تعلق الأمر بقضية مبدئية وطنية أو عربية أو بموقف إنساني لا يقبل المساومة أو أنصاف الحلول.
كان عبد الوهاب يؤمن أن رجل الدولة والدبلوماسي إن كان مناضل قضية فهو ليس مناضل بطاقة أو حزب حتى لو كان هذا الحزب بحجم الأفلان الذي ظل متعلقا حتى النخاع بأدبياته مثلما كان متشبعا بالفكر الوطني.
لقد رحت أقول له بعد تهنئته إثر تعييه سفيرا للجزائر في العاصمة اليمنية صنعاء: ومع مَنْ نتناقش الآن يا سعادة السفير؟
ابتسم -رحمه الله- كعادته ثم قال: كل وسائل التواصل متاحة.
وفعلا فقد ظل على اتصال دائم وحميمي بأصدقائه جميعا ومن بينهم كاتب هذا المقال عبر الهاتف منذ تعيينه سفيرا في اليمن في سبتمبر 2009، كان يتابع الوضع في الوطن بعين المهتم والوطني الغيور، وكان كما يقول شقيقه محمد السعيد يتصل بالعائلة والأصدقاء اتصال الوفي والصادق الصدوق.
كنت عندما أتوجه في زيارات عائلية أو سياحية خارج الوطن لأية منطقة من العالم لا أخبرا أحدا ولا أسلم له الشريحة الجديدة للهاتف النقال إلا عبد الوهاب، كان بمجرد انتقالي للدوحة أو لباريس أو لتونس أو أية رقعة من العالم إلا وأجد هاتف عبد الوهاب خير أنيس لي، يحدثني الرجل الطيب بقلبه ومشاعره ويحدثني بعقله ويحدثني بوطنيته الصادقة.
وصفه صديق دربه وزميله في الدراسة علي لوحادية بكلمات مقتضبة فقال: إنه مثال في الإخلاص والوفاء والشهامة و (الرُّجْلة) الجزائرية الأصيلة.
أيها الصديق العزيز: إن غبت عنا اليوم وارتحلت جسدا لا روحا لدار البقاء، فَمن بعدك يا عبد الوهاب سيتحدث إلينا عبر الهاتف وبواسطة القلب المفعم بكل نبضات الحب وبتلك الوطنية الصادقة التي نخاف أن تصبح عملة نادرة في هذا الوطن حيث كثر المتزلفون والمنافقون والمستديرون إلى الخلف بمائة وثمانين درجة وبألف دورة ودورة؟.
رحمك الله يا عبد الوهاب، وجعلك من عباده المبشرين بجنة الخلد والرضوان وألهمنا فيك جميعا جميل الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.