كان الجمهور العباسي، هذا الخميس، على الساعة الخامسة مساء، على موعد مع العرض المسرحي صواعد، والذي كان بمثابة العرض العام لمسرحية من إنتاج المسرح الجهوي لمعسكر بقاعة المسرح الجهوي سيدي بلعباس، والتي بدت قبلة يتوافد عليها -إلى جانب الجمهور العباسي- نخبة لا يستهان بها من الفنانين من كافة أنحاء الوطن.. وقد كانت هذه مناسبة أخرى يلتقي فيها الجميع للحديث عن أحوال الفن ولمناقشة العرض المزمع تقديمه، والحديث في هذه السهرة كان عن هذه المسرحية التي لخصت لنا حياة إحدى بائعات الهوى، امرأة حصرت نفسها بين ثلاثة رجال يختلفون عن بعضهم كل الاختلاف، وفي ذلك تختلف أشكال رغباتهم فيها ما دفعها إلى إشباع رغاباتها بشكل أو بآخر من خلالهم، فالأول يلبي حاجتها للإنجاب والثاني يتوق لامتلاكها بماله أما الثالث وكان يبدو المفضل لديها رغم أنه مغتصب منتقم من أفكار شرخها ماض مرير تتردد من خلاله صورة لأبيه وهو يقتل أمه الخائنة. ثلاثتهم يريدونها لأنفسهم وثلاثتهم على علم بما فيها من لؤم وخبث ولكن هي الرغبة تتحكم في الجميع، إلا أنهم في وقت ما وبدون أي دافع يقررون توبة جماعية خالية من وجودها رغم وجودها في كيانهم وللتخلص من هذا الوجود يقررون بعد رجمها وجلدها قتلها دون جدوى فلا مكان لأحد منهم في غير حضنها. صواعد عرض مسرحي سار في حمرة قانية سببها عنفوان العلاقات الجنسية المشخصة والدماء المنسابة من مخاض كل ولادة في سينوغرافيا صنعها حمزة جاب الله ليوحي بمكان الخطيئة أين تتقاطع كل الأزمنة لتتحول إلى اللازمن، يظهر الزمن بساعاته المتناثرة على الخشبة ممزوجا بإضاءات متناسقة، تحركها تعابير الممثلين الكثيفة ترجمت المبنى العام لعملية الإخراج والذي حاول التنسيق بين عناصر العرض، وقد وفق في ذلك بشكل كبير، ومما ساهم في هذا الجهد المبذول من طرف الممثلين، فقد كانت بلعباد أمينة منسجمة في دور بائعة الهوى، مما مكن كلا من محمد فري مهدي والذي أمتعنا من خلال دوره المغتصب إلى جانب أبو بكر بن عيسى في دور صاحب المال ومربوح عبد الإله في دور المنجب، هذين الأخيرين وقعا إمضاء خاصا على العرض دون أن ننسى حضورا نسبيا لكل من درعي فاطمة ولأول مرة عبد المجيد بلخادم من خلال الكوريغرافيا المنسوجة من طرف خديجة قمري حابس، هذا ودون أن ننسى الإيقاع العام الذي تساير مع العرض ليثبت التناسق بين كل أطرافه موقعا في تأليف موسيقي لصالح سامعي. 3 أسئلة إلى هارون الكيلاني.. كاتب النص ماهو رد فعل هارون الكيلاني من خلال العرض؟ عندما أشاهد أي عرض لا يهمني لا ممثل ولا مخرج ولا أي شيء، وما شاهدته اليوم كان جميلا جدا بغض النظر عن اختلافي معه في بعض الأشياء، أما إذا تحدثت عنه كمخرج على اعتبار أنني أنا الكاتب تختلف الأمور لأنني كتبته في شكل سريالي أرابيسكي عربي لأمجد من خلاله مفهوم الوجودية بالصيغة العربيه، وجود كائن اسمه الإنسان بذكوريته وأنوثته. ما هي الأشياء التي تراها ناقصة أو لم يركز عليها المخرج وهي بمثابة لازمة في كتاباتك؟ الأمر المحتوم في ما أكتب بالطبع في غالب الأحيان هو أنني أكتب لأخرج وفي ذل أتطلع للكثير من العنف الفكري والفني وهنا أرى أن عبد القادر جريو كان أقل عنفا أو أقول جسد فكرة أخرى عن النص، وقد أعجبتني كثيرا حتى أنني رأيت نفسي من خلاله وكأني أراني في مرآت ليست مسطحة. ما هو جديدك؟ أنا الآن بصدد كتابة نص جديد في الشكل نفسه، أتطلع لإخراجه عن قريب إن شاء الله، لا أنسى أن أحييكم وأحيي كل قراء جريدة الجزائر نيوز. 3 أسئلة إلى عبد القادر جريو مخرج العرض بعد تجربتي إخراج في مسرح الأطفال، كيف تحولت إلى مسرح الكبار وخصوصا عرض بهذه الجرأة؟ الحقيقة أن العمل على مسرحية للأطفال بالنسبة إلي أسهل لأنني لا آخذ السن بعين الاعتبار بحيث أعمل على عرض يتقبله أي شخص من 4 سنوات إلى 70 سنة، أما ما قمت به في هذا العرض فقد حددت العمل ليعرض فقط على أشخاص أكبر من 16 سنة أما ما تسميه جرأة بالنسبة إلي ما هو إلا فن. ماذا أضفت للنص؟ أولا أن تعطي الحياة لنص مكتوب، هذه في حد ذاتها إضافة إلى جانب أنني حاولت أن أصنع الواقعية من خلال نص مشكل من عناصر ميتافيزيقية لذا بادرت بمعالجة النص لأعادة تشكيله. كيف تعاملت مع الممثلين؟ لم يكن لدي أي إشكال في ذلك لمعرفتي المسبقة بهم ولمعرفتهم لبعضهم، إلا مع الممثلة بلعابد لأنها لم تتعامل مع أي منهم من قبل، لذا سعيت في البداية لتكوين الصداقة وتلحيم العلاقة بين كل الأطراف، مما ساعدني كثيرا في تسيير عملية الإخراج. أبيض أسود عزالدين عبار "على كل حال أنا مسرور لمشاهدة هذا العرض، لقد أثر فيا كثيرا وأثارني أيضا، أعجبني نص الكيلاني وما عرضه من أفكار جريئة، كما أمتعني ما قدمة جريو عبد القادر على الخشبة مما أكد كفاءته في إدارة الممثلين دون أن أنسى السينوغرافيا والتي كانت عنصرا أساسيا في العرض، شكرا للجميع." ربيع قشي "الحقيقة ليس لي ما أقول، لأن فكرة العرض لا تهمني ولا تقنعني، مما يختزل في ذهني كل شيء، لا أستطيع أن أتقبل مثل هذه المواضيع على الخشبة بهذا الشكل، إلا أنني أنوه بالمجهود الكبير الذي قامت به الممثلة بلعابد أمينة وأقدرها لشجاعتها في تقديم مثل هذه الأدوار."