لقد انتقل مفهوم "الشيتة" بمختلف تسمياته المحلية، من السلوك الشاذ والمشين وغير المقبول في الأعراف الاجتماعية، إلى حالة من التعميم، صار معها سلوكا طبيعيا، لا يجلب لصاحبه الشعورَ بالخزي والعار، بل أصبحَ نوعا من الاعتزاز بالذات، ومرادفا لفهم روح العصر والمرحلة، وشرطا لتحقيق النجاح وقضاء المصالح والحفاظ على الامتيازات. والأخطر على الإطلاق هو أنَّ السيرَ ضدّ تيار "الشيتة"، صار مجلبة للعقاب والتنكيل ودفع "ثمن" الاختلاف عن هذه "العقيدة" الجديدة. وفي السياق، انتقلت الظاهرة من الشارع إلى المؤسسات ومن الفرد إلى المجموعة ومن الاستثناء إلى القاعدة، في السياسة وفي الإعلام، فصارت لها مؤسسات قائمة بذاتها، أشنعها المؤسسات الإعلامية القائمة للغرض، تمارسه بلا حياء وبلا عقدة، فصنعت بذلك وعيا جديدا امتدّت تأثيراته في سلوكات المجتمع وممارساته اليومية، خصوصا منها تلك المتعلّقة بالاستحقاقات والمواعيد الانتخابية. أذكُرُ هنا صورتين مختلفتين في مجال الإعلام، متباعدتين زمنيا، وبمضمونين مختلفين: الأولى وقعت قبل أكثر من عقد من الزمن، وتزامنت مع رئاسيات 2004، حيث انتشرت لأوّل مرّة ثقافة نشر بيانات التأييد ومناشدة هذا المرشّح أو ذاك للتقدّم للاستحقاق، في صورة أكثر من كاريكاتورية حينما يحمل التوقيع "فعاليات المجتمع المدني" لقرية "كذا" و«دشرة" كذا. والثانية ما قرأته قبل شهور قليلة كإشهار بيومية وطنية "كبيرة"، حيث شكرت "فعاليات المجتمع المدني، والأسرة الثورية والمثقفون والإعلاميون وأعيان المنطقة" السيّد الوالي لإنجازه "نفقا" بكلّ مقاييس الجودة والعالمية..ولكم أن تتصورا ما يجنيه دافعو تكاليف هذه الإشهارات من مزايا، في القادم من المشاريع والاستحقاقات. اليوم بلغنا مرحلة متقدّمة جدا من التفسّخ وانهيار القيم، ففي الساحة السياسية أحزاب أُنشئت للغرض، ليس لها برنامج ولا إيديولوجيا ولا أيّ تصوّر: برنامجها الوحيد، أن تكون "في الخدمة" وتنافس زملاء لها في "المهمّة" بأكثر استعراض للقدرات "التشييتية"، ومثلها ما يقع في مجال "الفضائيات" و«الجرائد" المنشأة لذات الطبيعة. وصار صعبا التفريق بين "الأصيل" و«الدخيل"، وبين "الجاد" و«الهزليّ"..لقد تعمّمَ المسخُ على حساب قيم كانت رأسمال الجزائريين. اسمحوا لي أن أروي لكم هذه القصة الحقيقية، فقبل سنوات كنتُ مديرا لمؤسسة إعلامية عمومية محلية، طلبني رئيس ديوان السيد الوالي هاتفيا ليُخبرني أنَّ سيادته يحتاج أن يلتقي بمكتبه بالصحفية "فلانة"، وكانَ عليَّ أن أرسلها إليه. لم آخذ الأمر بالجدّ المطلوب، واعتبرته مجرّد نزوة عابرة، منَ الأحسن عدمُ الردّ على الطلب. لكنَ محدّثي عاود الاتصال بي بعد أيام قليلة، يستفسرني لماذا لم أُلبّ رغبة السيّد الوالي؟ فأجبته بلباقة أنّني لا أستطيع أن أرسل "زميلة" إلى سيادته لغرض لا أعرفه؛ ولمّا أصرَّ وعاودني لذات الطلب، كان ردّي جارحا وقاسيا: (السيّد رئيس الديوان، أنا مدير مؤسسة إعلامية ولستُ مدير بيت دعارة). من يومها صرتُ العدوَّ رقم واحد لسيادة الوالي المحترم جدا، ودفعت الثمن غاليا، بما لحقني من متابعات وتنحيات من منصبي.