توفي في بيروت الشاعر اللبناني أنسي الحاج، صاحب الحضور الشعري والأدبي والصحافي الكبير في بيروت والعالم العربي منذ الستينيات من القرن العشرين وحتى اليوم وأحد رواد قصيدة النثر، عن 77 عاما، وبغيابه يفقد لبنان أحد آخر شعرائه الكبار، وأحد صحافييه الأكثر حرفية ومهارة. ابن بلدة قيتولي في قضاء جزين جنوبلبنان، ولد عام 1937، والده الصحافي والمترجم لويس الحاج، تزوج في العام 1957 من ليلى ضو، ورزق منها ندى ولويس. برزت موهبته الأدبية مبكرا فكتب مجموعة قصص قصيرة وقصائد وهو على مقاعد الدراسة. بدأ عمله الصحفي في جريدة "الحياة" ومن ثم "النهار" مسؤولاً عن قسمها الثقافي التي يعود له الفضل في إنشاء ملحقها الثقافي في عام 1964. وتولى رئاسة تحرير "النهار" بين العامين 1995 و2003. ترك الحاج جريدة النهار بعد سنوات في رئاسة تحريرها لينضم إلى جريدة الأخبار اللبنانية مستشارا لمجلس التحرير ويكتب فيها نصاً أسبوعياً تحت عنوان "خواتم". ووصف عقل العويط، رئيس تحرير الملحق الثقافي في جريدة "النهار"، وأحد من كتبوا عن شعر أنسي الحاج، رحيله قائلا "إنها خسارة مزلزلة للشعر العربي على مدى القرن العشرين، وسننتظر أوقاتا مديدة قبل أن تمن علينا الأقدار بموهبة كهذه الموهبة الشعرية النادرة". وساهم الحاج عام 1957 إلى جانب الشاعرين يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة "شعر" ويعتبر أحد رواد قصيدة النثر في الشعر العربي المعاصر. أسس أنسي الحاج لنفسه ما يشبه الهالة الخاصة به. وتصعب الإحاطة بمختلف جوانب الفرادة عنده، فهو شاعر ذو أقنعة ووجوه مختلفة، وهو أحد أعمدة الثقافة اللبنانية، مثله مثل جبران وفيروز والرحابنة وسعيد عقل، ومجلات "شعر" و«الآداب" و«الأديب" و«الندوة اللبنانية"، حتى تكاد تجربته الأدبية الطويلة تكون مرآة شاملة للثقافة اللبنانية الحديثة من الخمسينيات حتى الآن. ترك أنسي الحاج ستة دواوين شعرية هي "لن" (1960) و«الرأس المقطوعة" (1963) و«ماضي الأيام الآتية" (1965) و«ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة؟" (1970)، و«الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" (1975)، و«الوليمة" (1994)، إضافة إلى كتاب مقالاته الأسبوعية في ملحق النهار، وقد نشره في ثلاثة أجزاء بعنوان "كلمات كلمات كلمات" 1978. وهناك كتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو "خواتم". كما ترجمت قصائده إلى أكثر من 6 لغات. وصدرت أنطولوجيا عن شعره بالفرنسية وأخرى بالألمانية. انطولوجيا "الأبد الطيّار" بالفرنسية في باريس عن دار"أكت سود" عام 1997 أشرف عليها وقدّم لها عبد القادر الجنابي، وانطولوجيا "الحب والذئب الحب وغيري" بالألمانية مع الأصول العربية في برلين عام 1998، ترجمها خالد المعالي وهربرت بيكر. في نيسان 2007 صدرت الأعمال الكاملة لأنسي الحاج في طبعة شعبية، في ثلاثة مجلدات ضمن سلسلة "الأعمال الكاملة" عن "هيئة قصور الثقافة" بالقاهرة. ولدت قصيدة أنسي الحاج في النصف الثاني من الخمسينيات، وأقدم على نشر أول ديوان قصائد نثر في اللغة العربية مواجهاً إعصار الساخطين من شعراء القصيدة العمودية. حيث أحدث ديوانه "لن" الذي صدر عام 1960، زوبعة في الوسط الثقافي. قد نحب هذا الكتاب وقد لا نحبه، وهذا أمر يتعلق بذوق كل قارئ أو ناقد، لكن الذي لا يمكننا الهرب منه، هو أن هذا الديوان كان محطة أساسية في الشعر العربي خلال القرن العشرين، ورافقتها مقدّمة جاءت بمثابة بيان، وهو ما فتح بابا واسعا للنقاش والنزال في الساحة الشعرية العربية. ومما كتبه أنسي الحاج في بيانه يومها "شاعر قصيدة النثر، شاعر حر، وبمقدار ما يكون إنسانا حرا، أيضا تعظم حاجته إلى اختراع متواصل للغة تحيط به، ترافق جريه، تلتقط فكره الهائل التشويش والنظام معا. ليس للشعر لسان جاهز، ليس لقصيدة النثر قانون أبدي"، وكانت خالدة سعيد من أوائل من أكد خصوصية التجربة اللغوية في "لن" ووقوعها موقع صراع بين "اللغة واللالغة". تقول: "هذا ما شحن شعر أنسي الحاج بالنزق والتمزق والتوتر، وكان من نتيجة هذا الصراع ما سميته منذ عشر سنوات، يوم صدور "لن" باللعثمة، هذه (اللعثمة) التي حجبت شعره السابق عن عامة القراء الذين اعتادوا الفكر المقولب المكبسل المنمق التفسيري، هي نفسها جعلت له في نظر قرائه جاذبية خاصة".