إلى كنزه 1 رغم كل هذا الزحام والشمس والحسناوات والعطور والألوان والكتب إلا أني حزين ووحيد كقبر وككفن يلفني الصمت، تخونني لغتي ويخونني إتساع المكان ويخونني الخيال عندما أفكّر ما الذي يمكن أن تفعله في قبر بهذا الحجم؟ أن تفكّر في الهويّة وأسئلة الوجود؟ أن تحلُمَ أنّك طفل مقمّط / لا ثلاثينيا مكفّنا؟ أن تتذكّر في الظلمة ذاك البريق بين نهديها وطريق الحرير الطويل الذي تسلكُه أنت ببطئ في ثوان ربّما تفكِّر في إليزابيت ذات العيون القرمزية وحلم الهجرة القديم لكنّك عندما تتعب من كلّ الاحتمالات ستكتفي بتحسس جسدك الذي يلتهمه الزمن ويقتلك التوقع، أيهما سيختنق أوّلا في هذا الزحام أفكار رأسك اليوتوبية أم أحلام قلبكَ المتعب تماما كمقبرة؟ 2 عندما كنت خارج المقبرة، خارج القبر خارج الكفن وخارج أفكاري السيئة كنت أُقطِّر الياسمين وأكتب قصائد ملحميّة كانت هذه مهنتي في شارع الورّاقين وكنتُ في العصر راميا أسرج فرسي العالية وأتصيد المعنى في مروج الكرم والنيّة إلى أن أتى في المساء ذلك الطقس السيء جدا كأنّه التتار أو المغول أنهى كل شيء خرّب المروج أعدم الرؤيا قتل العالية أطفأ حتى نور عينيّ وأنا، أمسيتُ فجأة أنا الرامي وأنا السهم وأنا الرميّة 3 كانت تتأمّلني تحت صفصافة جدّي العالية أمام الحوض الكبير وبينما أعصر عطرها المفضّل كنت أوسوس / أوشوش في أذنها لتدرك المعنى يا كنزُ زنِ ما أقول «في الجملة كلمة أثقل من غيرها وفي الكلمة حرف تُسندُ إليه البقية وفي الحرف سرٌ يَشدّ الكون إليه شيء من جرح أو خطيئة" والصمت قالت قلت: حرف للتأويل وعندما صمتنا، كان صمتها أبلغ قالت: في الركن قلب يدق دوما، أأعياه سجنه؟ في القلب يا ابن علي ركن لا يتكلّم بل يبتسم لكَ في الصباح وأنت تعصر عطري وفي المساء يكاد يهتفُ باسمك المولدي وأنت تصيد المعاني 4 لم أكن انتظر شيئا ولم أكن أحلم بشيء لم تكن لي وجهة ولا كانت لي رغبات لم تكن لي مواعيد لا ربطة عنق ولا حتى جيب لم أملك ساعة يد ولا نظارات شمسية لا تصلني رسائل ولا أتلقّى دعوات ليس لي عنوان ولا أعرف أحدا لم يكن لي أيضا دفاتر أكتب عليها سيرتي فأنا رجل بلا سيرة ربّما كنتُ مجرّدَ نسّاخ تلمساني وأصقل السيوف إذا ما الروم هاجمونا أو بائع زهور في بجاية هكذا كانت حياتي يوما واحدا هادئا مشمسا وأبديا لا أفكّر فيه في أيّ شيء لذا ليس لي ذكريات أيضا لا أذكر إلا حادث اصطدامي فجأة بشيء ما سألته: من أنت؟ قال: أنا زيادة عقل أو انعدامه وماذا عنك؟ قلت: أشعر بالتعب قليلا قال: التعب تمرين النهاية واختفى هكذا أصبحت أفكّر في شيء واحد النهاية 5 في الحلم، أي بين البداية والنهاية كنت أجلس إلى زعيم قبيلة هنود حمر كان يحدّثني عن أسرار النجوم وعن علم العلامات قال لي بثقة: "النهايات دوما تشبه البدايات" واختفى وراء دخان غليونه الكثيف مشيت بعده حتى عييت وأنا أتساءل «ترى كيف كانت البدايات؟" وعندما جمعت إحباطا بقدر الطريق قرفصت أمام بيت نمل مسكت رأسي وأنا انظر إليه «يا الله... أين أنت؟" على وقع السؤال كان وقع خطاه شيخ قبيلة افريقية يتّكئ على عصا من قرن فيل ومن حركة شفاهه عرفت أنّه قال لي «إنّ الله يسكن في التفاصيل، أنر قلبكَ ترها" واختفى وراء ظلّ قبل أن أسأله النهاية أم التفاصيل؟ ومشيت أفكّر أردّد كلّ الاحتمالات حتى وصلت إلى شيخ أمامه لوح ووراءه الصحراء قال: من أي أرض تمشي وأيّها تقصد؟ قلت: من الميم جئت وأعياني الحاء في الحب والحرب والبحر والجرح والريح أعياني انتظاري تأمّلني الشيخ ثمّ خطّ شيئا على اللوح ومضى: «الحاء يا ولدي أقصى الحالات فعش بالحب وكن حرا وحيا"