حضرت بمطعم الطانطرا، صبيحة نهار أمس إلى ندوة صحفية نشطها الجنرال المتقاعد حسين بن معلم بمناسبة صدور الجزء الأول من مذكراته، تحت عنوان "حرب التحرير الوطنية" عن منشورات القصبة.. تعرفت على مسار الجنرال منذ أيام عندما استلمت من دار القصبة النسختين بالعربية والفرنسية، وانهمكت في قراءة الكتاب الذي حافظ على قواعد كتابة السيرة الذاتية، والتي أراد من خلالها كما صرح بذلك في الندوة الصحفية، أن تكون شهادة فاعل في الميدان. التحق وهو ما زال طالبا بحرب التحرير وكان من المقربين من القائد العسكري المتشدد والمثير للجدل فيما يتعلق بإعدام الطلبة، عميروش... السؤال الرئيسي الذي يتبادر إلى الذهن منذ أول صفحة من هذه المذكرات، ما الذي يمكن أن تضيفه هذه المذكرات إلى الحقيقة التاريخية المتعلقة بحرب التحرير، خاصة أن الفترة التي عايشها الجنرال حسين بن معلم لازالت محاطة بمناطق ظل كثيرة ومشحونة بالسجالات، خاصة ما يتعلق بقضية ملوزة أو حوادث بني يلمان التي تورط فيها جيش التحرير في عملية تأديبية إنتقامية كادت أن تمس بسمعة جيش التحرير على صعيد الرأي العام الدولي، أو قضية الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وتوظيفهم فيما بعد في لعبة الصراع على السلطة بين الإطا ماجور والحكومة المؤقتة؟! أثنى الجنرال حسين بن معلم على القصة للجهد التي قامت به لإخراج هذه المذكرات إلى النور وفي الوقت ذاته أثنى مسؤول النشر بالقصبة والكاتب مولود عاشور على التعاون الذي كان مثاليا من قبل المؤلف، ويبدو أن ثمار هذا التعاون المثالي جلي عندما نتصفح الكتاب الذي جاء موفقا من حيث السرد الدقيق والتفصيلي والمتسم بثراء لافت عن قلعة بن عباس، مسقط رأس حسين بن معلم على المستوى التاريخي والمونو غرافي والسيوسيولوجي، كانت القلعة تربة خصبة لأفكار فصائل الوطنية الجزائرية من حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية والإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وجمعية العلماء المسلمينو بحيث أنشأت هذه الأخيرة في القلعة إحدى مدارسها الحرة التي نهل منها حسين بن معلم المصادر الأولى المكونة للهوية الجزائرية.. كما تعرفنا بدقة على طفولة حسين بن معلم وهو تلميذ بالمدرسة الإبتدائية التي كان يشرف عليها أبوه الروحي بشير بيبوش المدعو بن عودة ورافقناه إلى المدرسة الثانوية بسطيف، المعروفة اليوم بالقيرواني.. التحق حسين بن معلم بالثوار على إثر نداء جبهة التحرير في 19 ماي 1956، ويشدد المؤلف أن الإضراب الطلابي لم يكن في الحقيقة إلا إضراب عن الدراسة، وهو يشمل في الأساس الثانويين وتلاميذ المتوسط.. وفي القسم الثالث والرابع من المذكرات، يسعى بن معلم إلى تسليط الضوء ومن الداخل على المناطق التي لا تزال في حاجة إلى إعادة الاكتشاف، وهي تتعلق بمؤتمر الصومام وما أحاطته من نزاعات بين قادة الداخل وبجهد عميروش بفضل الصراعات الحادة بين الفرقاء، خاصة في منطقة الأوراس.. وبرغم أن صاحب المذكرات حاول الإتصاف بالموضوعية والحذر إلا أنه كشف عن الكثير من الأخطاء التي ارتكبها عدد من القياديين بفعل الخصومات ذات الطابع العصبوي، والجهوي، وترتب عنها مآس داخل جيش التحرير أودت بالكثير من الرموز التاريخية مثل عيمروش، وبن بولعيد ولطفي وسي الحواس.. حاول بن معلم في شهاداته الإعتماد في بعض النقاط الإشكالية الاتكاء على شهادة الأخرين وذلك من أجل أن يدعم ما أدلى به من حقائق.. لكن تبقى الإضافة النوعية التي قدمها لنا بن معلم، هو ذلك المعطى الجديد المتمثل في التحاق الضباط الفارين من الجيش الفرنسي الذين كانوا يتمتعون بصلاحيات ومكانة لدى الطامحين إلى السلطة من قادة جيش التحرير، وذلك لتوظيفهم ضمن استراتيجية خلق ميزان قوة لصالحهم وبالتالي العمل على الاستيلاء على السلطة التي كانت تبدو لهم أنها على مرمى حجر خاصة أن الإتجاه كان ظاهرا أن الجزائر سائرة نحو تقرير ساعة المصير وقد فصل ذلك كله خلال القسم الأخير من المذكرات الذي تعرض فيه إلى لحظة وقف إطلاق النار وما ترتب عن ذلك من خروج الصراع من الخفاء إلى العلن بين الإخوة الأعداء... وبرغم ما يمكن أن تضيره هذه المذكرات في جزئها الأول من ردود أفعال إلا أنها تعتبر شهادة تتسم بقدر كبير من الموضوعية والجرأة.. فهل سيكون الجزء الثاني من المذكرات يتصف بنفس القدر من الموضوعية والجرأة، خاصة أن المرحلة لا تزال محاطة بالصمت والتساؤلات الغامضة، وكانت العشرية الحمراء إحدى نتائجها؟!