هو آخر نجم يسطع في عالم الأدب الفرنسي الذي اعتاد منذ عقود احتضان تجارب وافدة من ثقافات أخرى ثم فرنستها· بعد تيقنه أن أفغانستان لم تعد تسع أحلامه، توجه في بداية الثمانينيات نحو فرنسا مشيا على الأقدام ودخلها لاجئا عبر طرق ملتوية خطرة وضيقة فدخل عالم الأدب من أبوابه الواسعة بفوزه سنة 2008 بجائزة الغونكور، أهم الجوائز الأدبية الفرنسية عن روايته/سينغي صابور/، خامس أعماله الروائية وأول ما كتب بلغة بلزاك· تلك اللغة الفرنسية التي سحرته منذ أن كان تلميذا في ثانوية كابول الفرنسية والتي صقلها بعد إقامته في بلاد مارغريت دوراس، الروائية التي عشق أدبها عشقا جما فلم يخف تأثره بها بل ذهب إلى حد تشبيه الجو العام التي تدور فيه روايته الأولى /أرض و رماد/ بجو ''هيروشيما حبي''، رواية دوراس الخالدة· وفعلا من قرأ رواياته وشاهد أعماله السينمائية يتأكد أن كابول هي ''هيروشيماه''، حبه الكبير الضائع الذي غدا طللا يبكيه ويحاول إعادة سبكه فنيا· أشار في عديد المناسبات أن الكتابة بلغة غير اللغة الأصلية كثيرا ما تمنح الكاتب حرية ودقة، فقد استعان كما يذكر دائما والبسمة تعلو محياه بالقاموس الفرنسي /روبير/ لإغناء لغته وبكثير من كتب النحو الفرنسية لتنقيح جملته وتهذيبها بغية الحصول على فرنسية بسيطة رقراقة وقد نجح في ذلك أيما نجاح إذ اعترف أعضاء لجنة جائزة الغونكور بشاعرية لغته ورقتها· اضطر عتيق رحيمي تحت ضغط ظروف وطنه إلى الكتابة الروائية، فكثيرا ما استنجد المثقفون المغتربون بالسرد للعيش في الوطن الأم ولو في الخيال أو لخلق وطن افتراضي جديد بمواصفات على مقاسهم إلى درجة يمكن أن نتحدث عن الكتابة كملجأ ثقافي لدى بعضهم· /عاش بلدي، يقول الكاتب، وضعا سياسيا مزريا مدة أربعين سنة دفع بالأفغان إلى الهاوية/· ابتداء من /أرض و رماد/ روايته الصادرة بالفارسية سنة 2000 والتي لاقت نجاحا كبيرا في إيران· ومرورا ب /الألف منزل للحلم والرعب/ عام 2002 وأعماله السينمائية ووصولا إلى الرواية الفائزة بالغونكور، راح رحيمي يسبر أغوار وطن مسه الجنون لم يترك سيئة إلا وارتكبها حتى كاد أن يسقط في هاوية لا قرار لها· كانت رواية /الألف منزل للحلم والرعب/، المتاهة في التراث المحلي، دار مرعبة غامضة من يدخلها يكون مصيره الضياع بين الأبواب الكثيرة التي لا تُخرج من الفخ بل هي الفخ الخادع ذاته· هي كابول تحت ديكتاتورية النظام الشيوعي والثقافة الدينية السطحية قبل الاجتياح السوفييتي· ترجمت الرواية إلى أكثر من 15 لغة وقد حاول بعضهم تفسير نجاحها العالمي إلى توقيتها الجيد حيث صدرت بعد أحداث 11سبتمبر· حملت روايته المُتوجة عنوانا مستلا من عمق الثقافة الأفغانية /سينغي صابور/ ويعني في اللغة الفارسية /حجر الصبر/ وهو في الأسطورة المحلية حجر سحري يصب عليه الأفغاني آلامه و أحزانه ومصائبه· حجر يبوح له بكل ما لا يقدر البوح به لأحد·· ينصت الحجر وكالإسفنجة يمتص كل الكلمات، كل الأسرار والتأوهات إلى أن يتفجر في يوم من الأيام وآنذاك يشعر المشتكي أو المشتكية بالطمأنينة والخلاص· /سينغي صابور/ هو بمثابة الإعتراف بالخطايا أمام الراهب في الدين المسيحي والذي تحول مع الحداثة إلى استبطان مسموع أمام المحلل النفساني· يدخل الروائي في جلد امرأة أفغانية مقهورة لكن متمردة ليقول في الرجل الأفغاني ما قاله مالك في الخمر· تُسمع زوجها-الجثة الهامدة كلمات كلها غضب ونقمة، تعبر عن أحاسيس كانت مكبوتة منذ زمان وحان وقت التخلص منها برميها على وجه /رجلها/ الذي كان قبل أن تقعده الحرب المجنونة عنيفا، متسلطا، متشددا ككل الذكور الأفغان·· لتصفية الحساب مع الذكورة الغاشمة في بلاد طالبان، جعلت الرواية من هذا الزوج /سيغني صابورها/ إذ وضع عتيق رحيمي على شفتيها كلمات لا تنطقها الأفغانيات بصراحة أبدا، كلمات تلعن الرجال، تشتم أفعالهم وتفضح نفاقهم وورعهم الكاذب· مع مرور الصفحات، يشعر القارئ بقدرة رحيمي الكتابية ويقف على فرنسيته الجميلة المُفرسَنة التي دخل عن طريقها في وعي ولا وعي بطلته· تغور الرواية في أعماق الأنثى الأفغانية فتقدم لنا لوحة رهيبة عن المسكوت عنه، عن علاقات اجتماعية قاهرة، عن بلد عقد العزم على ألا يبرح القرون الوسطى،عن رجال خربوا بلدهم بأيديهم· لا أحد ينكر نجاح بعض الأعمال الروائية في الغرب من حين لآخر لأسباب سياسية جلية لا علاقة لها بالأدب· كتب كثيرة نجحت سياسيا رغم فشلها الروائي المريع، أما في حالة رحيمي فقد نجحت رواياته نجاحا أدبيا وسياسيا· لقد حالف نفس النجاح أعماله السينمائية إذ فاز شريطه /أرض و رماد/ المقتبس من رواياته بجائزة /رؤية إلى المستقبل/ في مهرجان كان سنة 2004 ضمن مسابقة /نظرة ما/ و قد قيّد اسمه رسميا ضمن قائمة المخرجين الموهوبين· لكن السؤال الأدبي الذي بدأ يلوح في الأفق مع الأفغاني رحيمي و كتاب آخرين من إيران وباكستان هو ذاك المتعلق بمستقبل الرواية العربية المكتوبة بالفرنسية، تلك التي يبدعها جزائريون ولبنانيون ومغاربة وما سيكون مصيرها أمام منافسة أدب صاعد يستثمر نفس المواضيع الغرائبية التي بنت عليها تلك الرواية الفرنكو-عربية انتشارها في أوروبا وعلى الخصوص وضع المرأة المشين، الطابوهات، سطوة التقاليد وعلاقة الشرق الإسلامي بالغرب الحداثي؟