بالرغم من أن عبارة ''الرئيس السابق'' تبدو ''حلماً'' لدى بعض الشعوب العربية، ''وكابوسا للأنظمة'' بل حتى لبعض قوى المعارضة التي يعمر فيها رؤساؤها ما شاء لهم ''عزرائيل'' أن يعمروا، فإن الأمر مختلف لدى الأخوان· فأربعة أشهر من المواجهات المستترة والمشاحنات الداخلية والتحالفات بين تيارات متصارعة داخل الجماعة الأكبر في المشهد السياسي الإسلامي المعاصر (والتي يمتد تأثيرها لأكثر من سبعين دولة حول العالم)، تلك الفترة كانت كافية لأن تضع الحرب الباردة أوزارها ويخرج الإخوان للناس بانتخاب مرشد جديد (وإن لم يكن إجماعيا كما ينبغي)· الصراع الذي دار منذ إعلان محمد مهدي عاكف عدم رغبته في إعادة ترشيح نفسه لمنصب المرشد العام، وتمسكه بهذا المطلب طوال العام المنصرم بل تصريحه لوسائل الإعلام بالقول ''لن أبقى ولو يوما واحداً في المنصب بعد انتهاء عهدتي'' كان ذلك نذير شؤم للتيار الذي كان يتمنى تأجيل السباق المحموم نحو ''المنصب الأهم'' في جسد هذه الجماعة المترامية الأطراف متعددة الأطر· فبالرغم من ميزة ''التنظيم الدقيق'' الذي ظلت تحظى به ''الجماعة''، فإن ''المعركة الأخيرة'' قد أبانت الكثير من الفوارق التي ظلت كامنة ومتوارية لعقود مضت، خاصة وأن هذه الانتخابات تعتبر سابقة جديدة على الجماعة من حيث أنها ''المرة الأولى التي يكتفي فيها المرشد بولاية واحدة''، ويصر على التقاعد في تقليد جديد يبدو أنه ذو أبعاد محسوبة· كما أنها المرة الأولى التي يبدو فيها الصراع في قيادة الجماعة بهذه الطريقة التي دفعت بعض الأقطاب إلى ترك ''التنظيم'' نهائيا، كما هو الحال بالنسبة للدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد السابق، الذي طلب من الإخوان ''أن يعتبروه ميتاً''! وذلك احتجاجا على ''التجاوزات الإجرائية'' التي وقعت خلال انتخابات مكتب الإرشاد، وهو الأمر ذاته الذي أثار القطب الإخواني الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور إبراهيم الزعفراني وجمال حشمت، وغيرهم من القيادات المحسوبة على ''التيار الإصلاحي'' داخل الجماعة، وجميعهم تغيبوا عن حفل تنصيب ومبايعة المرشد الجديد الدكتور محمد بديع سامي الذي يعد أحد أهم أقطاب التيار المحافظ· وهو ما يضع الجماعة ''الأكثر تنظيما والتزاما'' أمام محك جديد قد لا تخرج منه ''متوحدة''، وذلك بالرغم من مجموعة ''الأفكار التوحيدية'' التي عبر عنها المرشد الجديد في كلمته الخطابية بحفل المبايعة، بعض المتابعين للشأن الإخواني يبدون خشيتهم من توجهات ''المرشد'' ورؤيته المنكفئة على الذات والتي ترتكز بشكل أساسي على الجانب الدعوي على حساب الجانب السياسي، مما سيعزز ''انعزال'' الجماعة المعارضة أكثر حول ذاتها· فيما يذهب البعض الآخر إلى أن المرشد وهو دكتور ''علم الأمراض'' قد ينجح في اكتشاف مواضع ''الداء'' داخل الجماعة، وبالتالي يتمكن من إعادة هيكلة ''التنظيم'' بشكل يسمح بعودته قويا وسليما، حيث تفترض تلك العودة ديناميكية داخلية هي الأخرى بحاجة إلى نظرة نحو الذات وانكفاءة مطلوبة· ومهما كانت النتائج المترتبة على اختيار ''المرشد الجديد'' ومكتبه الذي سيضم أكبر عدد لنواب المرشد في تاريخ الجماعة، في محاولة لترضية التيار الإصلاحي الغاضب، فإن ''الجماعة'' قد قدمت نموذجا تتمكن من ''المزايدة به'' على نظام الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في مصر من حيث أنها الأكثر انفتاحا وتداولا للمناصب في المشهد السياسي المصري·