يسود حوار الطرشان بين النقابات المستقلة والحكومة ممثلة في الدوائر الوزارية التي تشهد اضطرابات اجتماعية·· فبين تمسك الشريك الاجتماعي الذي يبحث عن افتكاك الاعتراف به وتزمت الحكومة في رفض أي حل يأتي عن طريق الحوار، تسير الأوضاع نحو مزيد من التعفين، وربما يكون هذا الحال قد أصبح القاعدة، إذ ألفت الحكومة الاحتكام إلى أسلوب الاستعجالية أو التحرك في آخر لحظة لتفكيك النزاعات الاجتماعية، إما بقطع الوعود أو إسكات النقابات المستقلة ببعض الفتات لكسب الوقت· حرارة الجبهة الاجتماعية يقابلها صقيع الحكومة·· هذا هو الملاحظ ومع الأسف، الملاحظ أيضا ميدانيا، أن إضراب ممارسي وأخصائي الصحة يدوم منذ أسابيع ولا أحد يهمه مصير المواطن الذي يقصد أبواب العيادات والهياكل الصحية ليجدها موصدة··· مع الأسف أيضا، أن النضال النقابي فقد الكثير من معانيه إلى درجة التشكيك في جدوى الانخراط في نقابة غير معترف بها، تتقن شيئا واحدا هو إصدار البيانات التنديدية وتنظيم الوقفات الاحتجاجية وإضرابات لا متناهية دون أن يتحقق شيء من وراء كل ذلك، اللهم استجابة غير مباشرة لنضال البعض ليحسب لصالح النقابة العتيدة·· وكأن الحكومة تخجل من أن تمنح للنقابات المستقلة هذا الشرف، شرف أن تقول لمنخرطيها هاهي إنجازاتنا التي وعدناكم بها، و بالتالي، أصبحت مصداقية النقابات على المحك في نظر عامة العمال، فالمفاوضات تتم مع المركزية النقابية، والمكاسب تأتي عن طريقها أيضا، و الثلاثية تدعى إليها المركزية أيضا؟! لا شك أن القول بأن ما تزرعه النقابات المستقلة، تحصده النقابة العتيدة أمر أصبح حقيقة، فالنضال والحركات الاحتجاجية واللوائح المطلبية ترفعها النقابات التي ترفض الدخول تحت عباءة السيطرة الرسمية لتطرح على طاولة النقاش بين الحكومة والمركزية النقابية وفي وضع مريح بعيدا عن الضغوط، لأن الطرفين متأكدان من أن المبدأ هو التفاوض حول نتائج مسبقة تمت صياغتها بحسب ما تقتضيه مصلحة الحكومة وليس مصلحة العامل· لم يعد سرا على أحد أن عملية كسر الإضرابات أصبحت نمطا تفنن فيه المسؤولون بابتداع أساليب متنوعة، فمن أسلوب الضغط على العمال إلى الدعاوى القضائية لإبطال الإضراب، مرورا بشراء الذمم و إغراء النقابيين بالمناصب و الامتيازات، ولعل الفكرة التي قد تبقى عالقة بذهن المرء، هي أن الإدارة تستنفد كل السبل لوقف الإضراب إلا سبيلا واحدا ووحيدا هو الحوار والتفاوض، الذي يبدو أنه كلمة لا وجود لها بقاموس الحكومة···