يعتقد الكثير بأنّ التغيير الإداري عملية رأسية تطال هرم السلطة، فيتوهمون أنّ تغيير المدير يغيّر أوضاع المؤسسة ؟!!.. الأمر نفسه يعتقده المواطن الجلفاوي حينما يتغيّر المسؤول الأول في الولاية، ويتوهّمه أفراد الأسرة الجامعية من أساتذة وطلبة وإداريين حينما يتغيّر المسؤول الأول في الجامعة، ويتمناه المستخدمون وباقي الشركاء في قطاع التربية أو الصحة أو غيرهما، عندما ينتظرون تغيير المسؤول الأول في تلك القطاعات ؟!.. والحقيقة هي أنّ مثل هذه العملية تبقى مجرّد "تبديل"، لا تُمتُّ بصلة إلى المدلول الحقيقي لمصطلح "التغيير"؛ الذي تتغيّر أوضاع الناس بواسطته وتنعكس آثاره على حياتهم اليومية.. سيما وقد يأخذ "التبديل" شكلاً صورياً، مثلما حدث ويحدث في أغلب التعيينات.. إنّ الاعتقاد الخاطئ لدينا لمفهوم "القيادة التغييرية" تتقاذفه أمواج عاتية ترمي بمفهوم "التغيير" بين طرفي مفارقة، تحكمه ممارسات وعادات رسّخت فينا معتقدات متناقضة من قبيل: "حمارنا ولا عود الناس" أو "نح من الفم.. تزلّ البنّة"، ما بين مقاوم للتغيير كون "المدير اللّي نعرفوه.. خير من اللّي ما نعرفوهش"، أو مؤيد له بشدة كون "مسمار جحا.. لازم يتنحى" أو يائس من العملية برمتها لأنّ في اعتقاده الدارج "الحرمل والنتين.. ينعلهم في اثنين" !!.. إنّ التغيير مثلما تقرره الأحكام السماوية « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ » الرعد 11، ومثلما تؤكده التجارب البشرية؛ هو سنة كونية مرتبطة بالأفراد أنفسهم ومن ضمنهم وُلاّتهم ورؤساؤهم ولا تقتصر على هرم السلطة مثلما نعتقد ولو عملياً.. إننا حينما نسيّر بنفس الأسلوب أوضاعنا، ونتخلى بنفس الدرجة عن واجباتنا، ونستقيل بنفس الطريقة من مواقعنا؛ تكون النتيجة واحدة، والخلاصة نفسها متمثلة في الفشل والركود والمراوحة.. ولا علاقة لمن يرأسنا أو يؤمنا، ولا لمن يتولى علينا أو يدير مصالحنا بهذا الفشل.. لأننا نحن من زرع الركود، ونحن وإياه من سيجني المراوحة.. إنّ هذا التصوّر لا ينبغي أبداً أن يستثمر فيه أدعياء الخنوع وأصحاب المصالح، فيُبررون للوالي المتقاعس أو المتغطرس وللمدير الفاسد أو المختلس، لأنّ مسؤولية المنصب - أمام الله ثم القانون ومن بعدها التاريخ - تحتّم عليه إجراء التغييرات الضرورية والتي هي صلاحياته وحده، وتُلزمه بمراقبة مرؤوسيه، والاستجابة لتطلعات من هم في عهدته.. لكن الذي نريد التركيز عليه من خلال هذا الطرح؛ هو كيف يمكننا أن نقوم بواجباتنا التي تغيّر أوضاعنا نحو الأفضل، باعتبارنا مرؤوسين تابعين لسلطة هذا المدير أو ذاك، وكيف يمكننا فرض أولوياتنا في التغيير وانشغالات منطقتنا على أي مدير كان، ومن أية جهة كان وجاء، أو إلى أي منصب ارتقى وفاء.. وحدنا من يحدّد مصيرنا، ومصير ولايتنا ومختلف قطاعاتها الحساسة ومؤسساتنا باختلاف طبيعتها، وأي مدير مُلزم - إذا قمنا بواجباتنا - بتنفيذ أهدافنا التنموية، ومجبر -إذا وجد الرجال- على استكمال الاستغلال الأمثل لمقدرات المنطقة والوطن ككل، بما يخدم تطلعات المواطنين وفقط !!.. ومشكورٌ ومأجورٌ من المسؤولين من قدّم جهدًا إضافياً وعنايةً مركّزةً بأوضاعنا المتردية، ومذمومٌ ومدحورٌ منهم من ترك "الحبل على الغارب" وتخلى عن مسؤولية توجيه الجهود، وتولى "تغويل" الفاسدين" و"تكويل" الخانعين المصفقين للملك الجديد المنتقدين - في الوقت الضائع - الملك المخلوع.. إذا ما هم تيقنوا منه عدم الرجوع ؟!!..