في مختلف الدول المتقدمة يتمكن من الفوز بالمقاعد النيابية شخصيات ليست بالضرورة مشهورة، بسبب اختيار الناخبين برامج أحزابهم الواعدة، بحيث تظهر انعكاسات تلك البرامج على مستوى حياتهم اليومية. أمّا عندنا ورغم تعاقب عهدات على الممارسة التعددية؛ فإننا قلّما نجد مقترِعاً يعرف الخطوط العريضة - لا أقول التفاصيل - من برنامج الحزب الذي صوّت لأجله، بل قد لا يعرف الحزب أصلاً، بقدر ما يصوّت على شخص معيّن لاعتبارات أغلبها ذاتي يتصدرها القرابة، الجهوية، الوعود المغرية، ...إلخ. أغلبنا يتذكر أنّ الكثير ممن ترشّح في قوائم معيّنة لا يمكنه تذكّر برنامجٍ محددٍ، ولو كان أعتى المناضلين ضمن ذلك الحزب، مثلما نتذكّر أنّ قليل جداً منهم من إلتزم بتوجيهات حزبه، إذا ما بقي وفياً لاشتراكاته كمناضل؟!.. إنّ مشكلة البرنامج الانتخابي في الجزائر عموماً، ولدى ممارسي السياسة في الجلفة بصفة خاصة؛ هي نتيجة منطقية لمشكلة البرامج السياسية للأحزاب، حيث لا توجد رؤية واضحة ورسالة هادفة لدى أغلب الأحزاب، أو على الأقل لدى جميع مناضليها، اللّهم تلك الأهداف المفروض على مؤسسي الحزب تقديمها ضمن ملف الاعتماد، والتي غالبا ما لا نجد فيها تميّزاً بين حزب وآخر، كونها نسخاً مقلّدة باعتبارها "لزوم الاعتماد"؟!!.. فلا تظهر خصوصية للأحزاب، ولا مجالات الأولوية في نضالاتهم ومحط اهتمامهم، ولا يجري - لدى الأغلبية الساحقة منهم - تحديد خطوات عملية توضّح تأثير اهتمامات النضال على تطلّعات المواطنين وحياتهم اليومية، أو على الأقل على طريقة تفكيرهم ومواجهة المشكلات على المدى البعيد.. كما تنعكس مشكلة غياب البرامج في ظاهرة التنقل "التنطط" بين القوائم والأحزاب لدى بعض هواة جمع طوابع (tête de liste) الذين لا يهمهم البرنامج ولا الحزب أصلاً، المهم أن يتصدّر القائمة، مثلما تجد ناخبين يُبررون اختيارهم لمتصدر القائمة بغض النظر عن الحزب الذي ترشّح باسمه أو القائمة التي تتبع اسمه بالمقولة الشهيرة: "... ولا عود الناس"!!.. والأمر نفسه بالنسبة لتلك الأحزاب والقوائم التي لا يهمها اقتناع مرشحيها ببرامجها - إن وجدت أصلاً - بقدر ما يضمنون بتلك الأسماء حصصًا في التمثيل، أيًّا كانت طرق فوز هؤلاء ووسائل تأثيرهم "المال، العرش، مظهر التدين،.."، وغالباً ما يكون الأمر مجرد بيع لمنصب "رأس القائمة" لمن يدفع أكثر بعيداً عن البرامج والقناعات؟!!.. في زماننا هذا؛ يصعب قياس معيار "القوة والأمانة" الذي فضّل بواسطته المولى عز وجل رُسله واجتبى به أولياءه؛ لأننا إمّا أمام أقوياء - بالمفهوم الانتخابي الظرفي - غير أمناء بعد نجاحهم، أو ثقات - بالمفهوم الانتخابي الظرفي كذلك – عاجزين عن أداء مهامهم. لذلك فإنه من الموضوعي أن نتوخى الأمانة والقوة في البرامج لا الأشخاص، وأي أشخاص يلتزمون بتلك البرامج هم "ثقات" مع الناس "أشداء" على الحق، لأن المعيار واضح والقياس ممكن، بحيث لا يحتجّ المخالف للبرنامج الواضح المعلن باختلاف الظروف أو تغيّر الشروط، لأنّ صفة "القوة" تقتضي دراسة الواقع واستشراف المستقبل في ظل الإمكانات الحالية اعتماد على المعطيات السابقة، مثلما تقتضي صفة "الأمانة" الإخلاص للمبادئ وعدم التبديل والصدق في العمل ومحاسبة النفس والاعتراف بالخطأ وغيرها من الصفات التي تفتقدها أغلب التيارات في برامجها ومرشحيها.. الحلقة الأولى: الغش الانتخابي ؟!! الحلقة الثانية: الطيب، الجِلف والسارق ؟!!..