مازال سردنا يتواصل لتسليط الضوء، وذكر الشخصيات البارزة التي تركت تاريخا في منطقتنا الواسعة "بر سيدي نائل"، هذا الطير الكبير الذي يمتد جناحاه من الشرق إلى الغرب، من الزيبان إلى المزاب و ما بعدها . رجال أثروا في زمنهم و ينتمون إلى أكبر وأهم كنفدرالية للعروش في العالم العربي، و على هذا استهدفت بأشنع عدوان من قبل الإستدمار ومريديه. حتى يومنا هذا "بر سيدي نائل " كان متراسا ضد الردة، ضد محو الثقافة المحلية، ضد التبعية، و كان خزانا للدم الصافي، لكل الثورات ضد غزاة بلادنا و هكذا قدم أولاد سيدي نائل ملايين من الشهداء ثمنا للحرية في مجازر الإستدمار وكانت المنطقة معقلا للثوار، مالا يعجب الرجعيين و الأنانيين... من بعض أحفاد "سيدي نائل" الذين حظوا بما ألهموا من البركة، و الكرامات العجيبة، و خاصة هذه الميزة الثمينة توارثها أحفاد سيدي امحمد، الابن الوحيد للالة دلال "من أولاد عريف" التي أنجبته لزوجها الصالح سيدي عبد الرحمان بن سالم بن مليك، نذكر من بين هؤلاء الصالحين الذين وصلوا إلى الشهرة سيدي عبد الرحمان بن سالم و ابنه سيدي امحمد بن عبد الرحمان و سيدي ثامر بن امحمد، الروايات التي احتفظت لنا بالكرامات المنسوبة لهذا الأخير. امحمد بن سيدي عبد الرحمان من أسباب الحروب الدائمة بين مختلف القبائل هي الاستحواذ على سبخة زاقز و المراعي الخصبة المحيطة بالسبخة، مع العلم أن احتكار التموين بالملح لقبائل الصحراء يمثل ميزة لا يستهان بها مع مرور السنين. هذه الخيرات جعلت قبائل زاقز يرفعون السلاح، و قد انتظر " أولاد سيدي نائل " الوقت المناسب لتأكيد مطالبهم، على أن هذه الصراعات لا ترهقهم أو تبليهم أو تجعلهم يوما ما في عجز عن الدفاع عن أنفسهم، و رغم هذه الحسابات فبمهارات قياداتهم السياسية استطاعوا الحصول على اعتراف القبائل المناوئة الأخرى و إخراجها من السبخة، و بهذا حدث سقوط الغنيمة الثمينة في أيدي " أولاد سيدي نائل ". سيدي محمد بن علية، الرجل الصالح المحترم، باع زاقز مقابل أربعين نعجة و كيسين قمح و أربعين " ششية " و أربعين إبرة و زوج قراير، أي بدون مقابل...سيدي امحمد بن سيدي عبد الرحمان كان بطلا، مؤثرا و بطولاته تذكرنا بأيام الفروسية أو حتى ما قبل الإسلام، و الروايات تتحدث بإسهاب عن أعماله المدهشة، ومنها إنجازات قد تدخل في إطار المعجزات. كان سيدي امحمد رجل عبقري وكبير، زيادة عن تقواه، حيث كان يبقى أياما كاملة يتعبد في جبل مقابل زاقز. إنتشر صيت تقواه في أرجاء البلاد و خارجها، و لم تتجرأ القبائل لإغضاب هذا الولي الصالح المتميز، لكن قبائل البواعيش و رحمان وزناخرة حاولوا الاستحواذ على إحدى أخصب المناطق في زاقز و هي كريرش، و حسب الروايات ففي المنطقة نفسها أي بين السبخة الغربية و عين البسيسة، كانت فرسان التحالف المضادة كثيرة كنجوم السماء، حيث غطت كل المنطقة على مرئى العين وكان يبدوا النصر حليفهم، بما أنه لا يمكن أن يتجمع كل "أولاد سيدي نائل" حتى قبائلهم المجاورة، ولا يمكنهم التصدي لهذا العدد الهائل، زيادة على ذلك فهم في حالة سلم و لم يكونوا يتوقعوا هذا الهجوم المباغت عليهم من قبائل شمال السبخة، ومع اجتياح هائل و غير منتظر، قررت القبائل اللجوء إلى الصحراء عوض المقاومة، عندها ظهر سيدي امحمد، مرفوقا بعشرة فرسان من " نزلة الشجعان " لسي احمد و القويني، ( إحدي الفرق المجاهدة التي قدمت سلسلة طويلة من الأبطال، يذكر من بينهم وفي زمنه حسين و عبد السلام و هما ابني القويني )، ظهروا فجأة بين القبائل، و هي ترفع في خيامها فأمروهم بالرجوع إلى أماكنهم، رغم صيت بطولات الشجعان العشر المرافقين لسيدي أمحمد، " أولاد سيدي نائل " ظنوا أن ذلك تهورا لمقابلة هذا العدد الهائل من العدو، بغض النظر عن عبقرية قائدهم. سيدي امحمد و مرافقيه العشر توجهوا مباشرة إلى جبل العشبة، و صعدوا إلى قمته، التى تشرف على كل قوات العدو، حيث أنهم يتموقعون التموقع الخاطئ، و لم يدر في بالهم أنهم في خطر بوجود السبخة التي ورائهم وخاصة خطورة قطعها ليلا، حيث تبتلع كل من يغامر فيها، وفي مقطع الجديان يوجد منبع ماء عذب تتموقع فيه قوات التحالف، فكر سيدي امحمد و بما أنه كان متفوقا تكتيكيا بالاستحواذ عليه ليستفيد منه و تكون الهزيمة الكاملة للعدو. انتظر غروب الشمس للهجوم و كان التحالف يريد مباغتة سيدي امحمد و رجاله، ففوجئوا بهجومه وحدث عكس ما كانوا يخططون له. كان سيدي امحمد يتقلد سيفا بدون غمد ذو شكل مميز ارتوى من دماء أعدائه، يقال أنه يشبه سيف الرسول عليه الصلاة و السلام، يسمى "ذو الفقار"، الذي ورثه سيدنا علي كرم الله وجهه، حيث كان مزدوج الرأس، و يعتقد بعض من مريديه أنه سيف الرسول عليه الصلاة و السلام، على الرغم من أن هذا الأصل النبيل من سلاحه يفتقر للأصالة، وعلى كل حال فإن سيدي امحمد عندما تكون قضية دم، بسرعة يحمل سيفه ويخرق صفوف العدو، و يباغت العدو باثا فيه الرعب، و هكذا دائما تتكرر الأمثلة حيثما كان سيدي امحمد متواجدا، و بقوى أكبر من غيره، زد على ذلك ضربات محاربين "نزلة الشجعان " بسيوفهم التي تقسم الرجل على اثنين، ستسقط حتما عليهم، مع هبوب عنيف للرياح الجنوبية عليهم بإعصار، هذه الرياح القبلية القاهرة شتتهم مثل ما تشتت حبيبات الرمل. علاوة على ذلك قوة أحد أحباب الله ذو البركة الإلهية بدون شك سيصب سخطه عليهم...فكان النصر للمقاومين والخذلان للغزاة. بقي أصداء لعنة الرجل الصالح في زاقز تتردد خلال سبعة أيام، ( حيث يضيف الراوي، في ليلة صافية عندما تضع أذنك على الأرض في الشط الجنوبي لسبخة زاقز، تسمع "خشخشة الشبير يضرب ركاب الفارس "... كثير ما كانت مواقف " أولاد سيدي نائل " على حق من ظلم الأتراك لهم، حيث أن الأتراك يريدون فرض عليهم غرامة سنوية، ما يرفضه " أولاد سيدي نائل " قطعا ورفضوا الخضوع، و بما أن الأتراك كانوا مدعمين من قبائل المخزن و المتطوعين، بجيوش هائلة مركبة ومنظمة عندما يحلوا بزاقز، و أن أولاد سيدي امحمد ليس بإمكانهم المقاومة ضد أسياد التل، و من حسن الحظ أن ذخيرتهم هي الإستراتيجية بعد نفاذ السلاح، وفي حالات الضعف، يبقى دائما لهم اللجوء إلى الله تعالى، حيث أنهم يقوموا بعملياتهم ليلا أو عند الفجر، و هكذا قتلوا بايين، أحدهم "الباي عثمان" قتله أولاد سي أحمد، و الآخر "الباي صوفطه" قتله عطيه بن أحمد القويني، و أخذ زرده الذي مازال النساء ينشدونه حتى الآن، أو عبد القادر بن ضياء الذي مازال المداحة يمجدونه، و بلقاسم بن الرعاش الذي سور الجزائر مازال يبكيه، و كثير ما حمل أولاد سي أمحمد السلاح ضد الأتراك. و قد ترك بعض من " أولاد سيدي نائل " "كرامات" أو بطولات تذكرنا بأيام الفروسية. لا يمكن ذكر كل مفاخر و صلاح و فرسان سلالة " أولاد سيدي نائل " ، نكتفي بذكر الأسطورة من أولياء " أولاد سيدي نائل "، وبعض الإشرافات من حياة سيدي ثامر أحد أولاد سيدي امحمد بن سيدي عبد الرحمان. سيدي ثامر ابن الزوجة الثالثة لسيدي امحمد بن عبد الرحمان " أم هاني"، وهو الأب الأول لقبيلته التي تسمى به، وكان أحد أشهر الصالحين من " أولاد سيدي نائل "، حيث تألق بكثرة تضحياته و تقواه السامية و بالكرامات، و كان أكثر شعبية في " أولاد سيدي نائل". عقلية التمرد لأولاد سيدي نائل و الحاجة للتوسع و المناوشات المتكررة، حملت القبائل الأخرى للتحالف فيما بينهم وحمل السلاح للتخلص من هذا الجار المشوش، فأعلنوا الحرب ضدهم، فأنسحب " أولاد سيدي نائل " أمام الكم الهائل، متجهين إلى جبال بوكحيل لصعوبة مسالكها للاحتماء حتى تتاح الفرصة للثأر. سيدي ثامر مع بعض من مريديه والثقات من قبيلته، دافع عن المضيق العجيب في الوقت المناسب لجعل أولاد سيدي نائل في مأمن من الأعداء، حتى ضحى بنفسه مع الأسف، فكان مقداما و شجاعا، و بلا شك كانت الساعة و أن الله أراد له الشهادة، و لم تدم الحالة هذه كثيرا حتى أعاد " أولاد سيدي نائل " تنظيم أنفسهم و استطاعوا التوسع أكثر في الصحراء والمناطق التي يستغلونها حتى اليوم... (*) عن مؤسسة سيدي نايل/ الأستاذ: عبد الرحمن شويحة ملاحظة: المقال ترجمة للموضوع الأصلي باللغة الفرنسية (الرابط من هنا)