ماذا تركت السيدة الفاضلة أسماء بن قادة لنا نحن المحبين المقدرين من شيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي، وماذا تركت له من نفسه ورمزيته ومشيخته وقيادته ؟ ..هذا هو السؤال/الانطباع الرئيس الذي فرض نفسه على عقلي ونفسي وكياني كله ، وأنا أنتهي من قراءة الحوار الصحفي (المثير) في جريدة الشروق المنشور قبل يومين في الحادي والعشرين من شهر نوفمبر .2010 . هل كان ضروريا وإلى أي حد الإدلاء بكل ذلك الكم الكبير من “الأسرار” و”المعلومات” و”المعطيات” في حوار إعلامي ، تعرف هي بالذات ، ونعرف جميعا أنه سيصل إلى كل مكان في ساعات قليلة؟ ...وسيحمل معه مئات من الرسائل “السامة” القابلة لكل تأويل ؟.. *** وأقل وأيسر الأضرار في ذلك الحديث المطول المتشعب الشخصي الخاص أن يصير الشيخ الجليل ، وهو أحد رموز الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر، وممثل خط الرشد والوسطية فيه ..يصير “فاكهة للمجالس” : الإسلامية منها والعلمانية، الشبابية، والنسائية ، المتراخية العاصية والسلفية الغالية المتشددة، المتحللة المتهتكة والقبورية المتزهدة ، كل يدلي بدلوه حقا أوباطلا في عرض الشيخ وكرامته وأصله وفصله، وقلة حسمه، وضعف همته، وعجزه عن العدل بين زوجتيه ، وأبنائه الذين لم يُحسن تربتهم وسائر ما يملك: ...وجمهور القراء المتلقين : بين متأسف، ومحتار، وساخر، ومتشف شامت ...مع ما يتبع ذلك من “رسلكة وإعادة تدوير” لآراء وترسيخ لقناعات أو تغييرها أو تعديلها ..وكل ذلك ينتهي في مآل الأمور إلى أن يُلحق “الأذى ” بالدين نفسه : استخفافا واستهزاء من البعض ، واجتراء وافتراء من البعض الآخر، وتخبطا وحيرة واضطرابا من بعض آخر الخ ..أليست تلك فتنة من الفتن التي تمس الإيمان والفكر والسلوك ؟. والفتنة أشد ... إن من المعلوم للجميع أن هناك موازين وقواعد وأصولا للكلام ، من بعض روائعه في نظامنا القيمي ذلك النص النبوي الشريف : ...فليقل خيرا أو فليصمت . وقال بعض العلماء “أنظر ما تقول” ...أي قبل أن تقول أنظر إلى ما يمكن أن يؤول إليه كلامك ، وما يمكن أن يجره من آثار . وأي خير يا ترى في ذلك الحديث المستفيض عن “أسرار” فلنقل أخطاء وخطايا ،وكل ابن آدم خطاء .. كانت مستورة بستر الله ، فجاءت الزوجة الكريمة لتنشرها وتكشفها...على الناس ، فتصور الشيخ ذلك التصوير الكاريكاتيري المضخم لعيوبه والكاشف لعوراته . يتحدث معها لساعات ، ويرسل إليها القصائد الطويلات المليحات ، ويبدي من الاهتمام بها ما يدل على أنه ....ويتحين الفرص للحديث معها ، ويهديها دون غيرها كتبه(مع العلم أن الشيخ أهدى كتبه للجميع وتبرع هو والشيخ محمد الغزالي بطباعة كتبه في الجزائر وأقطار أخرى من العالم الإسلامي جعل الله ثوابها في ميزان حسناتهما ) *** ..لنقرأ ما صرحت به السيدة الكريمة أسماء بنفسها ، ولننظر كم سيكون وزن الشيخ في أعين الجمهور وفئاته المتنوعة المختلفة المتفاوتة المتناقضة ، مثقفة وأمية، وجاهلة، وفقيرة، وغنية، فيها الأعزب والعانس ،والمتزوج بواحدة، والمتزوج بأربع ، والمتزوج باثنتين إلخ ..وفيها المؤتمن الصادق والخؤون و....و ....وكل واجد ضالته في الشيخ يقول رأيه فيه في اجتراء وصلافة ، ويعلق كما يحلو له على مثل هذا الكلام .. : بات يقرّبني جدا منه، ويحاول الحديث معي كلما واتته الفرصة، ويهديني كتبه، التي كان يُسقط قصدا في بعضها كلمة ابنتي(كيف علمت أنه يسقط ذلك قصدا وهي تقول في مكان آخر أنها كانت خالية الذهن غافلة تماما مما يريده منها كما سيأتي ...)، ليكتب عليها “إلى الحبيبة أسماء”، وبقي على هذه الحال لمدة خمس سنوات، إلى غاية 1989 حيث حاول الاتصال بي بمجرد وصوله إلى الجزائر، وفي تبسة أثناء مشاركتنا في المؤتمر المنعقد هناك، طلب مني محاولة التعجيل بعودتي إلى العاصمة لكي يتمكّن من مقابلتي والحديث معي معلقا “وإلا سأسافر وفي قلبي حرقة!”، ولكن الظروف لم تساعد على ذلك التعجيل، فاتصل بي من العاصمة وأنا لازلت في تبسة، ليقول لي بأنه قد أجل عودته إلى الدوحة يومين حتى يتمكن من مقابلتي، فطلبت منه أن يؤجل ذلك لفرصة أخرى من منطلق ما عنده من واجبات ومسؤوليات وأنا غافلة تماما(انتبه هنا لهذا الكلام :هي غافلة تماما وقارنه بما قالته قبل قليل يسقط عمدا كلمة ابنتي ...)عما يريد أن يحدثني عنه، ولكن يبدو أن الشيخ تأكد بأن الأرضية ليست ممهدة بعد ليبثني ما في نفسه فعاد إلى الدوحة، ومنها أرسل إليّ برسالة مطولة وقصيدة من 75 بيتا يبثني فيها عواطفه وأشواقه التي كتمها خلال خمس سنوات منذ 1984 والتي من بين ماجاء فيها: “أترى أطمع أن ألمس من فيك الجوابا؟... أترى تصبح آهاتي ألحانا عذابا؟ ... أترى يغدو بعادي عنك وصلا واقترابا؟... آه ما أحلى الأماني وان كانت سرابا! ... فدعيني في رؤى القرب وإن كانت كذابا!... وافتحي لي في سراديب الغد المجهول بابا! ثم تقول في أكثر من مكان من نص الحوار قريبا من “مضامين ” الكلام السابق- المشار إليه قبل سطور، وأكثر أحيانا ...؛ حيث يخجل المرء ،والضعف مخجل . إن أمثال ذلك الكلام فيه محمولات “فاضحة ” لا محالة ، كاشفة عن مكنونات وإن تكون جميلة وإنسانية ودافئة و... ولكن في كل الأحوال لا يمكن القول بأنها تعبير عن “إنسانية” العلامة القرضاوي وبشريته، إذ لاشك في أنه إنسان وبشر.وإنما الأصوب في السياق أن نقول إنه تعبير عن “ضعفه الإنساني ” ، والسؤال هاهنا : هل ينبغي أن نكشف هذا الضعف الإنساني ، أم نستره؟ هل فيه إساءة للشخص وتصويب نحو عيوبه ونقصه وما يسيء إليه ، وبالتالي المرغوب والمطلوب شرعا وقانونا هو “ستره” ؟ أم العكس هو الصحيح : حيث تجب إذاعته ونشره ؟. إدن فيه ما يفخر به وتجب إشاعته على الناس وإظهاره لهم، وربما دعوتهم للعمل بمثله ، فيسن بذلك سنة “جديدة ” في علم الدعوة والبلاغ الإسلامي ؟ إن الأمر بطبيعة الحال وبالمنطق الإنساني لا يحتمل مثل هذا ،ولا يستقيم حينئذ العمل بهذا الشكل ؛ حيث لا يحتمل إلا الوجه “السيء” .فتكون الإذاعة والنشر عند ذلك فيها قصد للإساءة وإن كان “خفيا ” في سراديب اللاشعور . وحتى نفهم المسألة بشكل إنساني أبسط : لو عكسنا الآية : وكانت السيدة الكريمة في الوضع الذي صورت فيه الشيخ القرضاوي.وتحدث عنها بذلك الشكل أو قريب منه ، هل كان سيعجبها الأمر وتعتبره “تعبيرا عن انسانيتها” أم كشفا لمستور وفضحا لما أمر الله به أن يُستر و”يُدس” ، ونحن نعلم كم من المشكلات تقع بسبب كشف يسير لشؤون كهذه .وأمر الستر في نظامنا الديني معروف مشهور وحديث المجاهرين .. أيضا معروف .وأرجو أن أكون على خطأ *** يقينا عندي : أن الحديث السابق يندرج ضمن خانة “الخصوصيات” أخطاء كانت أو غيرها والخصوصيات مما يحب الناس جميعا وأعني الأسوياء منهم بطبيعة الحال -... أن تبقى في نطاقها الضيق.وأما أن نعمد إلى إشاعتها ففيه بكل تأكيد إيذاء للمعني شئنا أم أبينا ... ثم ما محل كل ذلك الكلام العاطفي/الحميم من الإعراب؟ وكيف يمكن أن يُفهم وقد جاء في سياق الكشف والفضح (والنشر إظهار و فضح)، سوى أن تكون النية مبيتة للإيقاع بالشيخ وفضحه على رؤوس الأشهاد وعندما كان يفعل ذلك إن افترضنا أنه فعله هل كان يتوقع أن يأتي يوم تعمد فيه زوجته المصون إلى نشره بهذا الشكل السردي المثير ذي الإيقاع الروائي الشيق اللذيذ ، والمؤدي إلى الفهم “الحقيقي” ؛ حيث تصل الرسالة كاملة إلى القاريء ..كيف للقاريء أن يفهم مثل هذا الكلام ويضعه في خانة”التعبير عن المشاعر والمكونات الإنسانية الراقية “...تقول السيدة: “كان يجاملني بالمكالمات والرسائل، ثم بدأ يطالبني بمعرفة مشاعري تجاهه، كما قال: “ياحبيبي جد بوصل دمت لي واجمع شتاتي... لا تعذبني كفاني ما مضى من سنوات... بت أشكو الوجد فيها شاربا من عبراتي” ، إلى أن يقول أيضا: “ياحبيبي وطبيبي هل لدائي من دواء؟... لاتدعني بالهوى أشقى، أترضى لي الشقاء؟!. .. لاتدعني أبك فالدمع سلاح الضعفاء!... كيف يحلو لي عيش ومقامي عنك ناء؟! لا سلام لا كلام لا اتصال لا لقاء... أنا في الثرى وليلاي الثريا في السماء!!...الخ” على أي وجه حُمل هذا الكلام ،وعلى أي نمط في التأويل دُرس وحُلل حتى الحداثي ومابعد الحداثي منه ...فإن فيه ما يسيء إلى الشيخ الكريم، ويجعله مثل أي “.....” يلاحق فتاة/امرأة .. بطرق غير شرعية، يبدو كما لو أغلقت عليه كل الأبواب إلا بابها ، فنسي كل شيء في سبيلها :خالقه ودعوته،ونضاله، وثقافته وروحه ونفسه وكل شيء إلا”هي “...(أليس في هذا نزوع إلى تضخيم للأنا مركب ؟ تعلي من شأن نفسها لتحط من شأن زوجها (الرمز) وهي تعرف جيدا من سيتأذى أكثر . ؟وهذه مجرد قراءة واستنتاج .كما قد يُقرأ كلامها السابق على أنه “قوة وصراحة وشجاعة بلا حدود ..”،كما كتب بعضهم بالفعل . إني لأعجب لسيدة تصف زوجها على هذا النحو الذي يصوره “نزقا” ولا تراعي الله ولا الرابطة ولا القيم”الحضارية ” التي تتحدث عنها ، وتلوي أعناق الحقائق، فتجعل مثل هذا الحديث تعبيرا عن إنسانيته وبشريته ، ولا تكاد تهتم بالجانب الآخر (مراعاة مقتضى الحال )وهو ما يمكن أن يفهمه الناس على نحو خاطيء أو صحيح ....إن الناس قد لا يصلهم ما نفترض أنها أرادت إيصاله وهي تعلم نسبة الجهل وضعف المستوى ، كما تعلم كثرة المتربصين المتأهبين للنيل من الإسلام وعلمائه ودعاته في ربوع أقطارنا الإسلامية كلها ، من الداخل ومن الخارج. بل وتعلم حجم “الكيد والمكر” الموصولين ليلا ونهارا... إذن سيصلهم العكس ، وسيفهمون أن الشيخ القرضاوي بهذا الشكل “ماشي حاجة كبيرة ” ، لا ” ماشي حاجة خلاص ” . وكأنها أرادت أن تقول بمفهوم المخالفة : إن كنتم تظنونه بصورة ،فهو ....غير ذلك في الحقيقة ؟.وهو ما عبر عنه الكثير من القراء أنفسهم في التعليق على الحوار ..حيث “اندهشوا” ..وعبروا عن “حيرتهم وضياعهم” ، والتباس الأمر واستشكاله عليهم، واضطراب الموازين عندهم ...ولا نتحدث عن الشامتين بصراحة الذين يجدون في مثل هذه الأمور مزيدا من “الأدلة ” ليس للاستئناس ولكن لترسيخ الصورة الشائهة عن علماء الإسلام ودعاته ومصلحيه ومرشديه . والحق أن الشيخ القرضاوي رجل وبشر وداعية وقائد رأي ومؤلف وموجه، وحقه علينا جميعا أن نحفظ له الود، ونستره ونعينه وندعمه، وأفضل العون وأجمل الدعم أن نجعل “ضعفه” له ، ونقيل عثرته، ونبقيه مستورا وقد ستره الله ، وأما قوته وفكره وثقافته ، وصولاته، فهي لنا جميعا ...وليس العكس . كما تحاول الأخت الكريمة أن توهمنا. وأولى الناس بصونه وحفظ أسراره هي زوجته . فكيف انقلبت “الأمور” هاهنا...وصار المستور مكشوفا بعد سنوات طويلة ..طويلة. وقد تفطن الكثير من القراء أنفسهم هنا وهناك إلى هذا الأمر المؤصل شرعا وقانونا وجاء في كلام بعضهم ما يوحي بفهم عميق ل “فقه” الموازنات والموازين التي يجب أن تراعى ..ومن ذلك تعليق لافت لأحد القراء الكرام ، إذ كتب قائلا ، وأنقله كما جاء: قبل كل شيء أقر بأنني لطالما اتخذت القرضاوي وفكره مرجعا في حياتي، لكن ما أثار دهشتي وتساؤلي في نفس الوقت هو أنني وددت أنها لم تذكر شيء من كل هذه الأسرار الحميمية لأسباب عدة، ومنها أني اعتقد أن هذا لا يجوز شرعا على حسب ما أعلمه (يعني قضية الرسائل والغزل قبل الزواج؟؟؟؟)، ومنها أيضا أن محدودي الفهم والفقه بالدين سيستبيحون كل الحوارات مع البنات والنساء اقتداءا بالشيخ حتى ولو كان هو يدري ماكان يفعل وعن ثقة وعلم، لأن له ثقل كبير في الأمة والوطن العربي، لكن أظن أن الأمور ستستباح من طرف الشباب إن لم توضح الأمور وتنورونا في هذه القضية، وقد كان المراسل رقم 86 و 88 قد قالوا كلاما جميلا و معتدلا، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يارب، لا تتركنا حيارى يا رب العالمين. أفيدونا جزاكم الله خيرا والسلام عليكم. عجبي أن يكون كل ذلك الكلام في سياقاته التي أشرنا إليه والمفضية إلى فهوم بالضرورة “سيئة ” أو قراءات سيئة قاتلة ، وتقول الأخت الفاضلة بلسانها: ... إنها تعبير عن عواطف إنسانية تعكس الجانب الأرقى من مركبات الكيان الانساني. أي جانب أرقى ...في داعية يملأ اسمه الآفاق ، وتُطبع كتبه وتُذاع خطبه وأحاديثه في أركان الأرض قاطبة وينظر إليه الناس نظرة تقدير وتبجيل، يقود المجتمعات ويرص الصفوف في معارك حضارية مع أعداء ،على جبهات متعددة متنوعة ..حتى لُيمنع من دخول الدول والأقطاركأمريكا وبريطانيا وغيرهما ،..فإذا به لا يكاد يختلف عن أي رجل “عادي” حتى لا أقول ” صايع ” يلهث وراء امرأة ولو كانت جزائرية؟؟؟ ويخصص لها الوفير من الوقت لكتابةالأشعار والرسائل ..تعبيرا عن أشواقه وعواطفه .. إذن أين فلسطين من “قلب” الشيخ “؟ أين القضايا الكبرى ؟ أين المشكلات الضخمة التي تتخبط فيه الأوطان ... ؟ هكذا سيقول الناس في قراءاتهم وتحليلهم و”تفكيك” شبفرات رسائل الحوار الذي أدلت بها سيدتنا الفاضلة زوجة سيدنا الجليل .. على كل حال لنا عود إلى الموضوع وسنشير فيه إلى أمور أخرى غير طيبة ..مجتهدين في إبداء النصح لأنه من الدين ، ولأنه قوام الصواب وركن الصلاح والإصلاح .مع تعريج على بعض المسائل النفسية في حوار الأخت الكريمة والتي اعتقد أنها مربط الفرس ..ومحور “الفرص”في الحوار كله .. بقلم الأستاذ حسن خليفة http://difaf.net/main/?p=2816