لقد وصلت إلى ما وصلت إليه جبهة التحرير الوطني اليوم بفعل الطمأنينة الغريبة التي يتفاعل بها الأمين العام "عبد العزيز بلخادم" مع بعض بطانته من محدودي بعد النظر السياسي، ومن الداعين إلى بقاء "دار لقمان" على حالها و ممن لا تروق لهم رياح التغيير التي هبت بالقاعدة خوفا على مناصبهم و مكانتهم بالقيادة، و ظلوا يكابرون و كابر معهم "بلخادم" رغم أن نشأته السياسية نبعت من مبدأ الحوار و الإصغاء لصوت الآخر مهما كان خافتا، أو هكذا يبدوا لنا نحن معشر المناضلين . أظهر الأمين العام سطحيته في التعامل مع المشاكل العميقة التي تتخبط فيها الجبهة، فنكرانها من طرفه زاد من توسع الشرخ و أجج نيران الغضب لدى "المناضلين العقائديين" و خاصة فئة الشباب منهم، و هم يرون القائد الأول في الحزب يتجاهلهم و يصف احتجاجاتهم بمجرد حبر على ورق الجرائد و أنها حرب إعلامية تدور رحاها على صفحات الجرائد، في حين أن وقع المعركة و واقعها أمر من أن يستسيغهما بلخادم و يقر بهما، و نزل به التفكير إلى حد مجارات المحافظين و المشرفين على عملية تجديد الهياكل إذ لا يهمهم سوى الانتهاء منها دون التمعن في نتائجها أو عن من تمخضت التشكيلة البشرية للقسمات ؟؟، فالغرض لديهم استكمال العملية في آجالها و لو على "جماجم المناضلين" و انتهاج مبدأ تبادل المنافع ما بين المشرفين عبر الولايات "سيرلي ولايتي نسيرلك ولايتك"، فالحزب في نظرهم مطية و أداة و وسيلة للوصول إلى المناصب الإنتخابية، أما إن فقد خيرة المناضلين أو توسعت الهوة بينه و بين فئات الشعب أو تقهقر أمام التشكيلات الحزبية الأخرى أو سكن الخراب مقراته "فللحزب مناضليه الذين يبكونه". تساؤلات محيرة أضحت تشغل بال المناضلين بشأن المواقف السلبية لبلخادم و تناقضاتها بين الأمس و اليوم و تكراره لأخطاء سابقيه التي لم يستفد منها، و هو يرى قيم و مبادئ النضال الحزبي توأد و التي يعد الحوار احد دعائمها، و هو يرى مبدأ تكافؤ الفرص يعدم داخل هياكل الحزب ، و هو يرى سيوف الإقصاء و التهميش تشهر في وجوه المناضلين الذين كانوا بالأمس القريب يشكلون دعامة له و صمان أمان و خاض بهم "معركة التصحيح" و غيرها من المعارك الإنتخابية، فاتحا المجال أمام محترفي النصب و الإحتيال و المشبوهين كي يتغلغلوا بقوائم الحزب و ينشطوا الحملات الإنتخابية القادمة و يواكبوا المخطط الخماسي لدعم برنامج رئيس الجمهورية على حد قوله و نظره و فلسفته الجديدة، و هنا نحن لا نجمع بين الغث و السمين فهناك فعلا من فئة أرباب المال من قلبه على الحزب، لكن بالمقابل هناك من لا يهمه سوى التهرب الجبائي و الحصانة، و أنشأ لهم ناديا يضمهم حتى لا يحتكوا بالقاعدة و لا تطبق عليهم مبادئ المساواة في النضال، و نتساءل إن كان يجب التعامل مع هذه الفئة بمعايير خاصة لأنها تمول الحملة فيجب عليه ان يعامل فئة المفكرين و المثقفين و إطارات الحزب بمعايير خاصة لأن الحزب في حاجة إلى ذوي الحجة السياسية و ذوي الفصاحة و الخطابة كي يخاطبوا الشعب و يشرحوا له برنامج الحزب و الرئيس و تتساوى القوى التي يعتمد عليها الحزب؟؟ فنحن نريد مناضلين يخدمون الحزب لا مناضلين يخدمهم الحزب. بعد أن كان في اعتقاد المناضلين أن "الأمين العام" أحد منظري سياسة الحوار و النقاش و الدفاع عن حق المناضل مهما كانت درجته و مكانته و مستواه، و أنه أحد المدافعين عن الثوابت و القيم الوطنية قبل اعتلائه كرسي الأمانة العامة، فالتغير الراديكالي في توجهاته زعزع القواعد النضالية التي لازالت تتذكر نداءاته بالأمس القريب بضرورة فتح الحوار مع "الحزب المحل" و مع أقطابه في عز الأزمة الوطنية و دافع عن هذا الخيار بكل ما أوتي من قوة باعتقاده أن الحوار هو النهج الأنجع لحل المشاكل الأمنية التي كانت تعيشها الجزائر، و كان من دعاة محاورة قيادة "الحزب المحل" و أنشأ لجنة وطنية للدفاع عن السلم، و هو اليوم يرفض الحوار مع الغاضبين من أبناء جبهة التحرير الوطني، بل و يتوعدهم بالإقصاء و يتهمهم بأنهم يضعفون الأفلان من اجل إرجاع الجزائر لأكتوبر 88 . كما أن مناضلي الحزب يذكرون معارضته الشرسة لزيارة "أنريكو ماسياس" و منعه من دخول الأراضي الجزائرية و أقام الدنيا و لم يقعدها، و ساهم في تأسيس "اللجنة الوطنية ضد التطبيع مع إسرائيل" قبل اعتلائه الأمانة العامة، أما بعدها فأضحى تواجد الأفلان بالأممية الإشتراكية حيث نفوذ إسرائيل أمرا عاديا. و بالعودة للمشاكل النظامية التي يعانيها الحزب، يتضح بأن "بلخادم" طبق السلبيات التي أعاب عليها "علي بن فليس" بكل دقة و إحترافية، كتخييط "المؤتمر الثامن الملغى" و تعيين المندوبين بدل إنتخابهم و عدم توزيع بطاقات الإنخراط و احتكارها لصالح الموالين، كلها أسباب كانت كافية لقيام الحركة التصحيحية التي قادها "بلخادم" بداية من الندوة الوطنية في 3 سبتمبر بالجلفة، و لم يكن قبلها مذكورا في كواليس الحركة و جاء فجأة لقاعة "ابن رشد" و اعتلى المنصة و من ثم أصبح منسقا وطنيا للحركة، و ردد يومها أمام جموع المناضلين أنه لا يريد "جبهة ضرعا يحلب أو ظهرا يركب" فهل فعلا جسد هذه المقولة؟؟ ، و طالب بعدم التعرض لبن فليس بالقدح و الشتم و "علينا ان نحترمه"، و من يومها سادت خطابات التسويف و البهتان منابر الحزب و تلاشت العلاقة بين القاعدة و القيادة، كما كان يحدث مع كل أمين عام يتعرض لهزة تمس كرسيه، و يترك لمؤيديه إرثا من الإنتقام و تدور عليهم دائرة الإقصاء و التهميش و يدفعون فاتورة تبعيتهم للأمين العام، و اليوم يرفض "بلخادم" الإستماع لأصوات المناضلين التي ارتفعت بالمناداة بتطبيق القانون الأساسي و النظام الداخلي و ضمان مبدأ تكافؤ الفرص، و راح يصفق الأبواب في وجوههم بتصريحاته الداعية إلى تثبيت رؤساء البلديات كأمناء قسمات و أن المرحلة القادمة هي لرجال المال و الأعمال قصد تمويل حملات الحزب، فمنذ متى اعتمد الأفلان في تنشيط حملاته الإنتخابية و النظامية على رجال الأعمال؟؟ الذين وصفهم بلخادم في انتخابات السينا ببائعي الذمم، و هم من اشتروا مقاعدهم في الإستحقاقات الماضية، و هذا ما يجسد سياسته المعتمدة لتغيير "التركيبة البشرية" التي بني عليها الحزب من جميع الفئات الشعبية، و هو ما سيفقده صفته الجماهرية و يحوله إلى حزب صالونات و من ثم تعبيد الطريق أمام دعاة "المتحفة"، و هذا ما تكافحه القاعدة بكل شراسة حفاظا على المبادئ و المنابع التي يستمد منها الحزب قوته و وجوده و المتمثلة في فئات المجاهدين و أبنائهم و أبناء الشهداء و الفلاحين و العمال و النساء و الطلبة و الشبيبة ... و طالما كرر أن "السياسة ليست بالضرورة نفاقا و إنما أيضا أخلاقا" فهل فعلا تمت أخلقة العمل السياسي في عهد بلخادم؟؟ أم أصبح النفاق السياسي هو الثابت الوحيد في مرحلته، حيث طالب ممن يخالفوه الرأي في تسيير شؤون الحزب بأن "لا يبصقوا على اليد التي أحسنت إليهم و أعطتهم الخبز"، فهل يد الحزب لم تمتد إليه بالإحسان هو و بطانته؟؟ أم أضحى وحده صاحب الإحسان؟؟ و هل تصرفات القيادة الحالية لا تعد بصقا على اليد التي أطعمت الجميع؟؟. و بالمؤتمر "الثامن الجامع" سنة 2005 شدد على رفضه لعقد جمعيات عامة داخل البيوت و طالب بعقدها بالقاعات العمومية و بحضور محضرين قضائيين تجسيدا للشفافية و كي يمحو ما اعتقده أخطاء "بن فليس"، و هو اليوم بعد "المؤتمر التاسع"-نسخة المؤتمر الثامن الملغى- يناقض كل هذه النداءات و يأمر المحافظين و المشرفين بضرورة إنهاء الهيكلة بشتى الوسائل و الطرق و عقد الجمعيات العامة و لو في البيوت و يأمرهم بتجسيد مصطلحه الجديد "الظاهرة الصحية" صائحا وسط بطانته "سلوا السيوف و اقطعوا رؤوس الفتنة"؟؟، كما قطع هو رؤوس مؤيديه و عزلهم بعد نجاح "الحركة التصحيحية" و حرمهم من التواجد في قوائم الحزب لتشريعيات و محليات 2007، و حتى اختياره للمرشحين لم يكن مبنيا على اساس فرز سياسي بين الجناحين "التصحيحيون" /"البنفليسيون"، بل استقدم أفرادا و أناسا لا علاقة لهم بالحزب و لا تتوفر فيهم شروط الترشح سواء بالمجالس المنتخبة أو في الهياكل الحزب كاللجنة المركزية و المحافظات و القسمات. و حتى رموز المعارضة الحالية مثل "الهادي خالدي" و مجموعة من إطارت الحزب ك "محمد الصغير قارة" الناطق الرسمي بما أصبح يعرف بحركة "التقويم و التأصيل" تعامل معهم بلخادم بمكيالين، فحينما قدموا خدمات جليلة للحركة التصحيحية سنتي 2003 و 2004 و تعرضوا للضرب أمام قاعات الحزب كانوا يومها يلقون كل المحبة و التأييد من قبل بلخادم، و حينما تحركوا في إطار "التقويم" الذي أصبح ضرورة كما كانت "التصحيحية" ضرورة في نظر بلخادم حولوا على لجنة الإنضباط و اتهموا بزعزعة كيان الحزب، فهل ما حرم على "بن فليس" أحل لبلخادم؟ أم أن تصحيح و تقويم الحزب يسير حسب أهواء الأفراد؟؟. فها هي سياسة الهروب بالحزب أثبتت عدم نجاعتها، و ها هي القاعدة تذود عنه و تتحرك كلما شعرت بالخطر، لأنها تؤمن بأن استقرار الجزائر من استقرار جبهة التحرير الوطني، و اليوم لا ينفع سوى فتح أبواب النقاش و الحوار على مصراعيها دون عقدة أو وجل مع إطارات و قيادات الحزب القديمة منها و الحديثة دون إقصاء او عزل لإيجاد حل للأزمة و الخروج من النفق الذي دخل فيه الحزب، بسبب سياسة الهروب إلى الأمام و تجاهل صيحات المناضلين و انتهاج خطابات التسويف، فلا بد من إيجاد آلية للم الشمل و احتضان كل أبناء الحزب، بدل المكابرة و التعنت .