مسودة الدستور المقترحة من طرف رئيس الجمهورية، والتي تم طرحها للمناقشة على الأحزاب السياسية و بعض الفعاليات الإجتماعية والنخب القانونية والرأي العام، هل هي فصل من فصول الإصلاح السياسي المنشود أم العودة إلى الوراء...! لا زلنا نأمل من رئيس الجمهورية المنتخب عبد المجيد تبون تجَسيد الاصلاح السياسي والتحول والانتقال الديمقراطي الذي يجسد مبادئ أول نوفمبر، وتحديد النظام السياسي الجديد والنموذج الاقتصادي الملائم لجزائر الجمهورية الجديدة. النقاط المثارة في التعديلات الدستورية الأخيرة أخذت حيزاً من الاهتمام الواسع من قبل الفقهاء الدستوريين بين مؤيدٍ ورافضٍ لفحوى التعديلات، خصوصاً طرح مسألة المرجعية الدينية والوطنية والتي لا يختلف فيها إثنان، تخفي من ورائها أسرار، والزمن كفيل بفك ألغازها. مأزق الفصل استباقياً في المواد الصَماء...!..و تهييج جدلية الهوية من جديد لدى النخب الثقافية والرأي العام وطرح مسألة الهوية، من خلال التنابز الهوياتي القاتل على منابر التواصل الاجتماعي، و تصريحات رئيس اللجنة المشرفة على تعديل مسودة الدستور، طرحت العديد من التساؤلات، خاصة في ظل طرح هذه المسودة في هذا الوقت بالذات، ونحن مازلنا نحصد معاناة الاغلاق الاقتصادي الرهيب الناتج عن جائحة الكورونا. بعيداً عن الكتابات السياسية والتحليلات القانونية حول ضبابية بعض المواد، والتي أسالت الحبر الكثير، وعلاقة هذا الدستور بدستور 2016، ونوايا السُلطة الجديدة حول مسألة التغيير الجذري والقطيعة التاريخية مع افرازات المرحلة السابقة، كان لابد من مراعاة توازن المصالح. مبدأ توازن المصالح معناه توازن المصالح بين الدولة والمواطنين، فلا يجوز صياغة القواعد الدستورية لكي تحمي مصالح الدولة أو فئة معينة من السلطة أو جهة معينة، على حساب مصالح المواطنين. توازن المصالح لابد أن يأخذ بعين الاعتبار المجالات الثلاث، قبل الاحتكام إلى نتائج هذا الدستور، ومقارنته بالدساتير العالمية، أو الدساتير السابقة. أولاً : في المجال الاقتصادي قبل مرحلة الاقلاع الاقتصادي من خلال الخروج من المأزق الريعي إلى التنويع الاقتصادي، لابد من تحديد النموذج التنموي الاقتصادي الجديد، والذي يتماشى مع طبيعة الاقتصاد الجزائري، ويستجيب للتحولات الاقتصادية الدولية، مع تغليب مصلحة المواطن على مصلحة الدولة. ثانياً : في المجال السياسي تطبيق مبدأ توازن المصالح في المجال السياسي، مبني على تنظيم العلاقات بين سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحقيق مبدأ استقلاية القضاء، وضمان توازن المصالح بين الدولة والمواطنين من زاوية الحقوق والوجبات، وفتح المجال للديمقراطية الحزبية والمشاركة السياسية، وعدم وضع القيود أمام حركة المجتمع المدني. ثالثاً : في المجال الإجتماعي توازن المصالح في المجال الاجتماعي، ينطلق من إزالة كافة القيود و أشكال التمييز بين المواطنين، وفتح باب حرية التعبير أكثر، وتوسيع مجال حرية التفكير والنقد السياسي البناء، حتى يعرف المواطن حقوقه من واجباته. في الأخير يبقى التجسيد الدستوري لهذه المجالات الثلاث مرتبط بوجود إرادة سياسية فعالة تتماشى مع تحقيق مطالب الشعب، انطلاقاً من كون الشعب مصدر لكل السلطات.