من طرابلس التي زارتها فجأة لتشارك مجلسها ”الانتحالي” أفراح الديمقراطية القادمة من فوق قاصفات الناتو، أبدت وزيرة خارجية أمريكا الشقراء ”هيلاري كلينتون” أمنيتها في رؤية القذافي قتيلا وبدرجة أقل معتقلا، ولأن علاء الدين منا وفانوسه السحري حكرا على أمة ”أمرك طاعة يا مولاتي”، فإن الفاصل الزمني بين الأمنية وبين تحقيقها لم يتجاوز الأربع وعشرين ساعة، حيث معجزة ”دعك” الفانوس فعلت فعلتها ليتمكن ”الثوار” في رمشة ”ناتو” من محاصرة موكب القذافي، ليجروا ملك ملوك إفريقيا معتقلا قبل أن يسكنوا في رأس عجوز ”مين أنتم” رصاصة في الرأس كانت كافية ليعرف ملك ملوك إفريقيا قبل أن يسلم روحه إلى بارئها هوية هؤلاء ”الأنتم” التي أرّقته ويكتشف بعد استقرار الرصاصة في رأس من كان ”زعيم” قومه أن تلك ”الأنتم” لم تكن سوى ”هيلاري” شقراء ورثت عن ”كوندليزا” سوداء، أحلام صناعة الشرق على مقاس أقدام القابعين في البيت الأبيض.. هيلاري كلنتون، التي تمنت واحدة من اثنين إما قتلا أو اعتقالا لقذافي أرّق مخططات شرقها الأوسط و”الأرهط”، استجاب لها القدر بشكل عجيب لا يخلو من معجزة تمنٍّ، وإذا أبواب الاستجابة مفتوحة ومشرعة، والدليل أن ”فانوس” علاء الدين حقق في ظرف قياسي أمنية من لا يرفض لها ”حلم” لتقدم ليبيا الجديدة والثائرة لضيفة ”نفطها” وشرفها، قربانا عربيا سمينا أضاف إلى رصيدها العملي أنها ليست وحدها كوندليزا رايس من شربت أقداح النصر في جمجمة الشهيد صدام حسين، ولكنها حتى هيلاري فعلتها وإذا كان الأول قد استفاد من مسرحية محاكمة ”عاهرة” لصدام كان ”معدوما” سلفا، فإن تلك ”الهيلاري” كان يكفيها أن تتمنى حتى ينفذ حكم الرصاص في رأس قذافي مهما قلنا عن أربعينية استبداده إلا أنه مات مقاتلا وسلاحه بيده· وبغض النظر عن مشهد ملك الملوك وهم يجرونه كشاة ذبيحة باتجاه المسلخ و”المسخ” الليبي العام، إلا أن التاريخ سيكتب أنه كما أطلقت ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة أوامر قصف أطفال غزة بالفسفور من قصر ”عابدين” بمصر، حيث كانت تسامر حسني مبارك السابق على كأس شاي، فإن الحادثة نفسها تكررت وأمنية ”هيلاري كلينتون” بقتل القذافي لم تكن إلا أمرا مدبرا ومرصودا ينتظر إشارة عليا بالضغط على الزناد لتصفية الفريسة التي كانت في مرمى إطلاق النار، وهو ما أعطته هيلاري لطائرات الناتو حتى تقضي وطرها من ”عجوز” كان في حكم القتيل قبل نزول هيلاري بطرابلس وإعلان أمنيتها أو حكمها النافذ المفعول·· أمريكا صفعتنا مرتين في أضحية القذافي القابلة للتمدد والتجديد، فبالإضافة إلى صفعة أن الأماني عندهم قرارات سارية التنفيذ والقصف، فإن الصفعة الأشد إيلاما هي تلك ”المرجلة” التي عرّت زمن العروبة وزمن هذا المسمى ”الربيع” أو ”الوضيع” العربي الذي فقد حتى احترامه لجثثه، بعدما رأينا كيف عامل ”ثوار” آخر زمن، جثة من كان بأية حال رئيسهم، فعكس أوباما الذي تحجج باحترام مشاعر المسلمين حين رفض أن يعرض صور جثة ”بن لادن” مكتفيا بإعلان أنه رماها في البحر بعدما صلى عليها صلاة المسلمين، رغم كل ما يعني بن لادن لأمريكا كزعيم للإرهاب، فإن ”خوار” ليبيا لم يكتف بمسرحية ”جر” القذافي وضربه ثم إفراغ الرصاص في رأسه ليتعدى ذلك المتاجرة بجثته وجثة ابنه والرسالة الواضحة في الصفعتين الأولى والثانية أننا أمة من الكائنات ”المفترشة” والمفترسة لكل ما هو عار وعارٍ· فأي نصر ذاك وأي ثورة وديمقراطية تلك التي يصبح فيها التمثيل بالجثث عقيدة لدى من يقولون إنهم ”ثوار” نصرهم الناتو وانتصروا للناتو من ابن جلدتهم ليتآمروا عليه حيا ويبيعوا جثته ميتا؟ من قتل القذافي ومن ”اغتال” ليبيا؟ سؤال أجاب عليه ”ثوار” ليبيا، فهم وبألسنة من سحبوا ”عزيز قومهم” وأسير حربهم وكان لهم شرف إفراغ الرصاصة الأخيرة في رأسه من اعترفوا بأن ”الناتو” هو من دلهم على مكانه بعدما قصف موكبه مجردا إياه من سلاحه ومن عتاده وجنوده، ولذلك ومن أجل ذلك فلا شرف للثورة ولا للثوار في الإجهاز على فريسة جريحة، والشرف يبقى حكرا على ”هيلاري” التي دخلت طرابلس فجأة لتعطي من منصتها الرسمية أمرا مباشرا بقتل القذافي·· فمن قتل القذافي؟ هل هو البطل المغوار الذي أجهز على الفريسة الجريحة والعاجزة والمشلولة، أم أنه ”ناتو” محترف أصاب موكب القذافي في مقتل ليترك زعيمه عرضة للنهش من طرف من صدّقوا وتوهموا أنهم تمكنوا من اعتقال ثم إعدام الزعيم ببرودة دم وسم بناءا على كذبة تسمى "ثورة" لم تنتج إلا "ثور" دنس الزرع والضرع؟ بأية حال، الصورة اتضحت، وخرافة ”الثورات” التي تحاكم عجوزا فوق السرير كما تنفذ حكم الإعدام في سيارات الإسعاف في حق أسير حرب جريح تم حقنه بطلقة في الرأس لتوقيف نزيفه أبدا، حري بها، أي الثورات، أن تفاخر بالبلاهة والعمالة والوضاعة المطلقة، فالقذافي الذي مات شاهدا على انهيارنا وانصهارنا، نال على الأقل شرف أن من أصدر ونفذ حكم الموت فيه ليس عدالة السماء التي أمهلته أربعين عاما، ولكنها عدالة أمريكا التي لم تمهله يوما واحدا بعدما تمنت شقراء أمريكا أن ترى جثته فكان لها ما أرادت وكان فانوس الناتو وفانوس وجراب أمير قطر العاق لوالديه، نعم العازف لسمفونية ”شبيك لبيك ”نفط” ليبيا ورأس القذافي بين يديك”·· فوداعا ملك ملوك إفريقيا، يكفيك وساما أن قتلك برصاصة في الرأس أبهج أمريكا كما سهل ولادة ابنة ”ساركوزي ”، حيث سيكتب في شهادة ميلاد القادمة من نطفة ”ساركوزي” بأن ”كارلا بروني” قد تزامنت صرخة ميلادها لطفلتها، مع طلقة رصاص اخترقت رأس قذافي كان يؤرق حلم ساركوزي في المرور إلى مشروعه المتوسطي عبر آبار ليبيا النفطية، بعدما واجهه القذافي يوم كان يوهم نفسه بأنه ملك ملوك إفريقيا: بأنه ليس كلبا حتى يلهث وراء مائدة نابليون فرنسا الغنية بكل أنواع الأطماع التوسعية...·