يبدو أن المجاهد الكبير السعيد عبادو ، والمعروف بنزاهته وإخلاصه للوطن، قد تعب من تكرار عبارة تجريم الاستعمار، حيث أنه لم يتطرق إليها في المؤتمر الحادي عشر لمنظمة المجاهدين، وقد ظهر جليا أنه لا حياة لمن تنادي، رغم أنه قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يوجد مشكل مع أبناء الحركى. فمنذ أن صادقت الجمعية الفرنسية (البرلمان)، على قانون التحضر الذي جاءت به فرنسا إلى الجزائر أثناء الاستعمار ، حيث يصرون على أنهم أخرجونا من بداوتنا وبربريتنا، منذ سنة 2003 تاريخ المصادقة وجعجعة التصريحات المحتشمة تراوح مكانها في حدود القطر الجزائري ولا تغادره، بينما فرنسا لا تعير أدنى اهتمام، إلا لكيفية الحفاظ على مصالحها و الحدّ من نفوذ المصالح الأمريكية والصينية في بلادنا خاصة والمغرب الكبير عامة. مادام هناك من صرح بالقول أننا لا نحتاج إلى اعتذار من فرنسا، ومادام هناك أبناء فرنسا المتجذرين في دواليب الإدارة، فلماذا هذه المزايدات؟ إن دولة مثل تركيا وما تمثله لها الاتفاقيات الاقتصادية مع فرنسا بالخصوص، ودورها في دراسة ملف انضمام تركيا لفضاء الاتحاد الأروبي بشكل عام ، وبمجرد أن ناقشت الجمعية العامة الفرنسية قانون إبادة الأرمن ، حتى ثارت على المستوى الرسمي وليس الأهلي وتبعها فيما بعد مظاهرات المجتمع المدني أمام السفارة الفرنسية باسطنبول ، وقالت بصوت عال : أنا مستعدة أن ألغي كل الاتفاقيات والعقود التجارية إذا لم تتراجع فرنسا عن ما صدر منها، ورغم أن المجلس الدستوري الفرنسي حاول تهدئة الأمور بعدم المصادقة على ما تبنته الجمعية الفرنسية ، إلا أن ذلك لم يشفع لفرنسا في إعادة المياه إلى مجاريها... لقد أحدثت تركيا ضجة وضحت بمصالحها لمجرد تصرف فرنسا الأرعن وهو التدخل في شؤون البلدان، والمساس بسيادتها، فتناولت كل وسائل الإعلام القضية بنوع من التفصيل ، عكس ما حدث عندنا حيث لم تسمع بجعجعتنا حتى مالي؟ من منطلق أن أغلب مرجعيات قوانيننا فرنسية باستثناء قانون الأسرة، نجد أن العديد من المؤسسات الهامة تُسيّرها شركات فرنسية ، مثل مؤسسة" ميترو الجزائ"ر، ومؤسسة "تسيير المطارات"، ومؤسسة "سيال لتوزيع المياه" ، إلى جانب هذا وجود جيوش من المسيرين من أبناء فرنسا بالتبني، دون تجاهل ما قاله القاضي المعزول مُفجر قضية المجاهدين المزيفين والذين يقتاتون من خزينة الشعب دون نسيان الامتيازات ،حيث قدّر المؤرّخ محمد عباس عدد هؤلاء ب 10 آلاف مجاهد مزيف !! ويمكن أن نجري عملية حسابية بسيطة ، لكي نعرف ماذا استفادوا من مال الشعب منذ الاستقلال وحتى بعد أن يموتوا، نظير عمالتهم لفرنسا الأم، وبالنظر إلى الصفعات التي يقدمها الرئيس ساركوزي (الصعلوك اليهودي كما تسميه مجلة ماريان الفرنسية) إلى الجزائر ، حيث أنه وفي كل تصريح يبعث لنا برسائل مشفرة مفادها: (لا تنتظروا اعتذارا، وإذا لم يعجبكم الحال، اشربوا من البحر الميت، فيا أيها الجزائريون لا يمكنكم الاستغناء عنا، وستبقون خاضعين خانعين مهللين في كل مناسبة، فلقد زرعت من يحافظ على مصالحي). أُدرك جيدا أن الكثير من القراء سوف لن يعجبهم عنوان الموضوع، وقد يصنفني بعضهم حتما من العملاء، وإذا كانت دعوتي إلى التسامح وعدم مناقضة كلام الله في هذا الخصوص والتذكير بما جاء به الرسول من أخلاق ، عندما صفح عن الذين ظلموه من المقرّبين، وقال لهم : (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، إذا كان هذا يصنفني في خانة الخونة والعملاء، فأنا خائن بدرجة امتياز ، وحجتي ستكون انطلاقا من كلام الله عز وجل، ومن باب أننا ندين بالإسلام، فالخالق قد قال في محكم تنزيله : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، أي أن كل شخص يتحمل عند الله مسؤولية ما قدمت يداه ، أو ما قال أو فعل في حياته الدنيا... وفي الآية الأخرى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، وفي آية أخرى :( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)، وفي آية أخرى، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، ومن هذا يتضح أن الفرد ليس مسؤولا عن أخطاء الغير، فما بالك وزر والده، وهو الذي وُلد بعد والده وكان سببا في وجوده؟ فمن غير المعقول وغير المقبول وهو الأمر الذي لا يقبله لا الدين ولا الأخلاق ، أن نُحمل أوزار الإرهابيين إلى أولادهم ، وهم الذين صنفتهم الحكومة في خانة واحدة مع ضحايا الإرهاب ، وسمتهم بضحايا المأساة الوطنية، فتكفلت بهم وبأمهاتهم ، وأدخلتهم إلى الدراسة وجعلت مرتبات للذين أعلنوا توبتهم، فما دمنا قد عفونا عن من كان أبوه إرهابيا، حيث نكّل بالأمهات وشرّد العائلات وقطّع الصبيان وحتى الحيوان ، وعاث في الأرض فسادا على مدى عشرية الدم والدمار، فما ذنب الولد في هذا؟؟ هل ذنبه أنه ابن إرهابي ؟ فمن منّا له الحق في اختيار أبيه؟ وماذا يمكن القول عن ابن الحركي ، أو الخائن ؟ هل ابن الخائن أو العميل مسؤول عن تصرفات أبيه ، ومتى تمت استشارته في مسألة خيانة الوطن؟ ما نلوكه بمناسبة وبدون مناسبة ، ونُكرره عن أبناء الحركى من عدم حتى مناقشة زيارة بلدهم ، مثل ما هو حق أبناء الإرهابيين فيه، يجعلنا نُحكّم العقل ، ما دمنا قد تبنينا قانون الرحمة مع من حمل في وجهنا السلاح ، وحكم علينا بالإعدام بدون استثناء، فالإرهاب قد طال الجميع بدون تمييز، ومشينا مع الوئام ،ثم صادقنا على قانون المصالحة ، وهنا أتساءل ماذا فعل لنا أبناء الحركى حتى نعاديهم ونمنعهم من زيارة أقاربهم وبلدهم، فالذين هم بيننا أشد من الخونة وأبناء فرنسا ، أشد مضاضة من أبناء الحركى ، ومن بينهم من يريد الاستثمار بأمواله في بلده ، وهنا تؤكد مصادر مطلعة أن من بينهم كبار رجال الأعمال وسوف يوفرون آلاف فرص العمل ، ومنهم من يريد أن يُقدم معارفه للجزائر لتستفيد منها الجامعات ومراكز البحوث، أليس لديهم هذا الحق وهم الذين لم يسيئوا إلى بلدهم باعتراف الجميع، في حين نجد الكثير ممن يتفننون في التغني بالوطنية المزيفة هم من أكبر المسيئين إلى وطننا المفدى. وفي هذا السياق، نورد قضية "سعيد مهران" وهو من كبار الصحفيين في مجلة le point ، حيث كان زملاؤه في الابتدائي يلقبوه بابن الحركي، وبعد أن كبُر ، قام بالتحقيق في بلاد زواوة، ووجد وثائق رسمية تفيد بأن أبوه محمد من المجاهدين الحقيقيين في فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا، هذا على سبيل المثال فقط ! إننا أمام خيارين ، إما أن نبقى نجتر في الماضي، ابتداء بعدم نسيان الاختلاف التاريخي بين السنة والشيعة ، وتكرار من كان له الحق في خلافة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ، حيث أننا ما زلنا نعيش الفتن إلى يوم الدين، في الوقت نفسه تتقدم الأمم وهي تضحك على حالنا، وتستغل في ثرواتنا ، ونبقى تابعين خاضعين خانعين، ونعيش المهازل بحجة عدم نسيان الماضي، وبالتالي نحافظ على حقدنا الدفين تجاه أبناء الحركى ، وهو الذي ورثناه ولم يكن لنا فيه حتى حق المناقشة ومعرفة الأسباب. هل قدرنا أن نقبل هذا الميراث الذي لا يمت للدين بصلة، بل ويمقته وينهى عنه، وحتى القوانين الإنسانية والأخلاق والأعراف لا تعترف به وتنبذه. وأما الخيار الثاني، فهو تقبلنا للأخر مهما اختلفنا معه وخاصة أنه من بني جلدتنا، وننظر إلى المستقبل بعين التفاؤل والتعاون والمساهمة في البناء والتقدم للعيش في رفاه بين مجتمع كله تسامح وأخوة، لا فرق فيه بين أبناء الوطن الواحد إلا بالعمل والصلاح لخدمة البلاد والعباد، حيث يقول المولى عز وجل:( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، وفي آية أخرى يقول: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، وفي آية أخرى :( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). من جهة أخرى، شئنا أم أبينا سيأتي جيل لا يعترف بهذا الميراث ، وسوف يلعن من سبقه على ما تسبب فيه من توريث للأحقاد بأعذار واهية، وعليه ، نكرر أن لا شيء يمنعنا من الترحيب بأبناء الحركى دون أبائهم، ما دمنا مسلمين غير مخالفين لما أنزل الله في كتابه العزيز. وكفانا ديماغوجية يا من تسوقوا لنا الوطنية وأنتم الذين لم تستطيعوا الرد على فرنسا الاستعمارية ليس منذ 2003 فقط ، بل منذ الاستقلال ، ونحن نتلقى الإهانة يوما بعد يوم من طرف الصعاليك. لقد عجزنا عن كتابة تاريخ ثورتنا بكل ما يحمله من حقائق بعد 50 سنة من الاستقلال، لأننا لا نملك الشجاعة وسوف ينكشف الخفي وما هو أعظم، كما أننا نتساءل ، لماذا لا يطرح مشكل أبناء الحركى في الدول المجاورة؟؟ لقد كتبت في السابق موضوعا، حول تجريم الاستعمار والمواقف غير المشرفة لبلدنا المفدى، بعنوان : يا فرنسا قد مضى وقت العتاب ...... وطويناه كما يطوى الكتاب، (سيادة مستهدفة الإهانات تتوالى)، إنها حقيقة مرة ، فلماذا لا نتصالح مع أبناء الحركى مادمنا قد طوينا الكتاب مع العدو الرئيس ، كما قيلت في ذلك الزمن ، حين كانت الثورة في أوج صولجانها. أخيرا، هل هناك من لديه الشجاعة السياسية للترحيب رسميا بأبناء الحركى ودعوتهم للاستثمار في البلاد وتحويل فن المعرفة من الدول المتقدمة ، بمناسبة الاحتفالات المخلدة للثورة المباركة ، وبذلك نعطي درسا في التسامح والأخلاق لفرنسا الرسمية التي تتجاهل الاعتراف بالجرائم والاعتذار عما قامت به فرنسا الاستعمارية، رغم أن أغلبية من يحكم فرنسا اليوم لا علاقة له بما فعله المستعمر، فهل سنشهد هذا القرار، الأيام القادمة كفيلة بالإجابة! (*) مندوب مؤّسس بمنظمة أبناء المجاهدين، و نائب رئيس لجنة التعليم العالي والبحث العلمي بالمؤتمر التأسيسي لمنظمة أبناء المجاهدين - 1996