يكشف المجاهد والوزير الأسبق للمجاهدين إبراهيم سلطان شيبوط في هذا الحوار الذي خص به يومية «السلام» بمناسبة يوم الشهيد المصادف ل18 فيفري، أسباب اختيار هذا التاريخ بالذات للشهداء، ويقف شيبوط ضد أية صداقة مع فرنسا الاستعمارية، وعن قانون تمجيد الإستعمار الذي صادقت عليه الجمعية الفرنسية، يقول المجاهد بأن فرنسا قد أعطت للجزائر الفرصة قصد الرد عليها، كما يرى أن تجميد دراسة طلبات الانتساب لجيش التحرير غير مبرر. السيد إبراهيم شيبوط، المجاهد في صفوف جيش التحرير الوطني والوزير الأسبق للمجاهدين، هل لكم أن تحدثوننا عن مشواركم النضالي إبان الثورة؟ أنا تجندت كجندي بسيط ثم دخلت كعضو في فوج وحضرت مؤتمر الصومام ومع الفوج الذي قاده كل من سي أحمد زيرود وعمار بن عودة وكذا عبد الله بن طبال، وهم مسؤولو المنطقة الثانية التي أصبحت بعد مؤتمر الصومام تسمى بالولاية الثانية، فهذا كان أول لقاء لنا بعد 20 أوت 1955، ومن تم دخلت في نفس الفوج مع سي أحمد زيرود بعدما طلب مني ذلك، عملت مع سي علي كافي الذي كان مسؤولا قبل اتصالي به، وكنا نحضر معا حوصلة عن قرارات المؤتمر، كما قد رافق سي أحمد زيرود إلى منطقة القبائل، ولكنه رجع بعدما قالوا له بأن هناك طائرات تلقي بالسلاح في منطقة «كتينا» التابعة حاليا لولاية جيجل، والجماعة المجاهدين كانوا يقومون بإشعال النار »حماهم الله« وإلا تم تفجيرهم، الأخ المجاهد سي أحمد زيرود لم يدم مكوثه مطولا واستشهد في 23 سبتمبر 1956، فور رجوعه من منطقة القبائل والسيد علي كافي بقي في الجهة الشرقية المسمات ميلية آنذاك، كما شارك مع بن طبال في تقارير مؤتمر الصومام، ثم تولى منصب عضو في المنطقة الثانية. سيدي تعود علينا كل سنة ذكرى يوم الشهيد المصادفة ليوم 18 فيفري، ماذا يمكنكم أن تقولوا عن هذه المناسبة؟ أنا جد سعيد ب 18 فيفري ليس لأنه يوم الشهيد فقط بل لأنه تاريخ ازديان زيغود يوسف، فهو ولد في مثل ذلك اليوم. هل كان زيغود قريبا منكم؟ كان قريبا منا لأنه يعرف جيدا هذه الناحية الثانية ونحن نعرفه، فزيغود من قرية فلاحية تدعى اسمندو الواقعة على الطريق الرابط بين قسنطينة وسكيكدة وعنابة عاش فيها أغلب حياته، ألقي عليه القبض من قبل السلطات الفرنسية بعد اكتشاف المنظمة السرية فسجن، لكنه فر من السجن، كانت له إرادة فولاذية سجن ثم فر منه وحكم عليه غيابيا مع عمار بن عودة وبركات سليمان وكذا المدعو بكوش، هذا الأخير ألقي عليه القبض في مسجد بقسنطينة أثناء أدائه للصلاة، عوض أن يلتزم الصمت كشف نفسه، الإمام كان يقرأ في الآية »يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم« لكنه لم يتم وأولي الأمر منكم، فنطق بكوش للإمام طالبا منه أن يتمم الآية، أخذه أعوان الشرطة الفرنسية للسجن لكنه فر بعدها وعاش بعد الاستقلال ولكن ليس كثيرا حيث خرج مع زميله للبحر ولم يعودا. كيف كنتم تحتفلون بعد الاستقلال بيوم الشهيد؟ لم نكن نحتفل بيوم الشهيد بل كنا نقدس الشهيد لأنه كان النشيد الذي يقول »إخواني لا تنسوا شهداءكم«، لكن لم يكن يوما محددا لذكرى الشهيد وفيم حدد 18 فيفري بيوم الشهيد ويوم 19 مارس عيد النصر وأنا لما كنت وزيرا للمجاهدين حددتهم كأيام وطنية. على ذكر مهمتكم كوزير للمجاهدين فكيف أتتكم الفكرة لتحديد رزنامة لكي تحدد الأيام الوطنية ومنهم يوم الشهيد، هل يمكن أن تحدثوننا عن الفترة التي كنتم فيها وزيرا؟ لما كنت وزيرا للمجاهدين كنت أعمل مع منظمة المجاهدين، عقدنا اجتماعا بالوزارة واتفقنا رسميا أن يوم الشهيد 18 فيفري، اخترتها لأنها مناسبة ازديان زيغود يوسف، وأنا الوحيد الذي كنت أعرف ذلك ولكن الآخرين لم يعلموا ذلك فلم أخبرهم بذلك. كيف كانت الاحتفالات قبل توليكم العمل في الوزارة وبعد فترتكم وحاليا؟ لما قررنا يوم النصر ويوم الشهيد كنا في اجتماع واتفقنا بالإجماع. كيف كان إحياؤكم لذكرى الشهيد خلال السبعينات مادام لم يكن هناك يوما محددا لذلك؟ ومن كان يقوم ببرامج الإحتفال؟ كانت محلية باتفاق لأن منظمة المجاهدين وجدت مع الاستقلال ولم يكن لها تاريخ رسمي »رزنامة رسمية«، لكن كان المجاهدون يبادرون بالاحتفال مثل ذكرى الشهداء كديدوش مراد والشهيد بوقادوم رحمه الله، أي كانوا مسؤولو المنظمة محليين، وأنا كنت من الناس الذين كانوا يشجعون هذه الفكرة، يعني كانت في فكرتي يجب على الشعب أن يتبنى هذه الذكريات، إسمحولي فيجب على الإنسان أن يتخيل بالضبط كيف يكون النضال في الجزائر، وإما يترك هذه المبادرة للمجتمع لأنه مثلا لما يأتي رئيس بلدية فلم نعلم من أي حزب هو، وقال نحتفلوا بفلان، وسعات يقولون حتى نشيدكم لا ننهض له، فالهاشمي سحنوني في هذه المرة لم ينهض للنشيد هو رجل كبير لماذا لا ينهض للنشيد الوطني؟ برأيكم هل أدى من بقي من المجاهدين واجبهم والتزامهم اتجاه الشهداء؟ هذا السؤال فيه شطرين، أولا لأنه لنا منظمة للمجاهدين والتي تاريخيا وأدبيا هي المسؤولة عن هذه الأمور والناس الآخرون يظهر لي أنهم يتبعون، فهم من الممكن أن ينسوا التواريخ، فيكونوا قد وجدوا من يذكرهم بها، فزيغود يوسف استشهد في 23 سبتمبر 1956 وديدوش مراد في 18 جانفي 1955. هل أعطوا حق الشهداء؟ حق الشهداء كل واحد يفهمه حسب رأيه وفكرته، فأنا أرى حق الشهداء في النظام الديمقراطي، لأن الوثيقة الرسمية التي من حقنا أن نقرأها ونتذكرها هي »نداء أول نوفمبر« لم يقولوا من أجل استرجاع سيادة الدولة بل كانوا يقولون الدولة مكونة على نظام جمهوري ديمقراطي اجتماعي، فهذه الأخيرة تدل على الديمقراطية لأن النظام الذي كان مبرمجا والذي يحبه الشهداء والمجاهدون الذين مازالوا أحياء، فإن بقي منهم اثنين فهذا شيء كثير، فتعريف الدولة «جمهورية واجتماعية» والتي لا نعرف إن وصلناها اليوم أم لا، فهذا البرنامج جميع من شارك في جبهة وجيش التحرير هم مسؤولون عنه، حتى ولو يتكلم عنها بفمه. هل ترون أن كتّاب المذكرات من المجاهدين قد أنصفوا هؤلاء الشهداء؟ أنا لم أقرأ المذكرات بل قرأت عن علي كافي، أردت أن أخلف شيئا عن زيغود يوسف، لذلك سعيت للكتابة عنه، هناك العديد من الأولاد يدرسون في مدارس تحمل أسماء شهداء لكن الأولاد لا يعرفون شيئا عنهم. يعني تريدون أن توضحوا أمورا لجيل الاستقلال لم يذكرها التاريخ بعد؟ لم أعرف إن ذكرها أم لا، فمثلا العديد لم يعرف متى ولد وكيف تربى يوسف زيغود فهو ولد بعد وفاة أبيه، لم يفرح هو بأبيه، وحتى أبوه لم يفرح به والده، هذه نقطة مهمة في حياة الشهيد زيغود يوسف، وبعدها قرأ في مدرسة فرنسية، وأيضا درس القرآن خاصة، أما أنا فدرست قليلا في القرآن بعد أن أدخلني والدي في الصيف عند إمام، لأنها كانت لدى أبائنا فكرة أن فرنسا تخرجنا عن ديننا، فلما تدرس القرآن تكون محفوظا ومحميا ولا تنسى اللغة العربية وخاصة الدين. هل تريدون كتابة مذكراتكم؟ أنا أكتب مذكرة خاصة بحياة زيغود يوسف، أما كتابة المذكرات فهي صعبة جدا حيث لا تدخل فيها الموضوعية وخاصة ما تعلق بالتواريخ، وكذا يصعب تذكر أسماء كافة الناس والعمليات التي وضعها الجيش الفرنسي إبان الثورة. نرجع معكم قليلا للفترة التي كنتم فيها وزيرا للمجاهدين، وبالضبط الملف الخاص بعضوية المجاهدين المزيّفين؟ هل لكم أن توضحوا لنا سبب تجميد دراسة طلبات العضوية؟ لما كنت في الوزارة وجدت ملفا للدرك الاستعماري، كان هناك ضغطا، فلم يتركوا لي الوقت لكي أستغله لأدرسه بعناية، في السابق كنا نطلع على الناس الذين عملوا مع فرنسا واليوم هناك مجاهدون مزيّفون، أعتقد أن نظامنا هو الذي سهل خلق المجاهد المزيف. كيف ذلك؟ نحن في الداخل كان عندنا أسماء المجاهدين بكل فروع المراقبة لدى جيش التحرير، كان عندنا البريد والصحراء وتموين المواد الغذائية والصحة، وعندنا قائمة الوحدات والشهداء فأنا لم أفهم هذه الوثائق أين ذهبت. نفهم أن هناك إخفاء لحقائق ما؟ قبل ما أتولى منصب وزير المجاهدين كنت عضوا في البرلمان، وكنت يومها أقول للبلديات مادام عندكم قانون يمنع الحركى من الانتخاب فيجب وضع أساميهم عند الباب، فهؤلاء الناس ممنوع عليهم الانتخاب، أنا أقول حركي ولا أقول خائن لأن هذا الأخير صعب تثبيته فالحركي معروف له سلاح وكذا لباس على الأقل تثبيتهم لأنهم خانوا. ماهي الأسباب التي أدت إلى تجميده وهل لديكم معلومات عنها؟ أنا لم يتم استشارتي، أولا لما توقفوا عن دراسة أعضاء جيش التحرير وجبهة التحرير والشهداء فالشهيد الذي استشهد لما كان، فليس لدي فيه شك إلا إذا كان حركي، ففرنسا لم تكن تقتل إلا الناس الذين مع الجبهة وجيش التحرير، فهي لم تقتل الخونة، إذا فكرتي هي ليس لدينا الحق أن نقول اليوم »لا ندرس الملفات لأنه يمكن أن يأتي أحفاد من فتيات وأولاد صغار ليقولوا أبونا كان شهيدا«، فلماذا نحرمهم إذا كان لديهم الحق نقول ذلك، والعكس لكن أن يقولوا لي لا تدرس الملفات فلماذا لا أدرسها؟ يعني التجميد ليس بحل؟ نعم ليس بحل. ما رأيك في الموقف الرسمي في قضية تجريم الاستعمار، ولماذا لم يكن هناك قرار سياسي واضح؟ يظهر لي أننا لم نستقل كما ينبغي، فمفاوضات إيفيان لم تكن مضبوطة كما يجب لسببين، أولا قضية العفو الشامل ليس نحن من قتلنا أو نهبنا أو احتلينا فهم من قاموا بذلك، فأجدادنا كانوا بديارهم وهجموا عليهم في 14 جوان 1830، فهل نستوي مع فرنسا في تأهيل الأحداث في ذلك العصر؟ فلم تكن هناك تسمية فهي احتلال، والذي يحتل ينهب ويقتل فهم لم يأتوا لخدمة الناس، إذا فمفاوضاتنا مع فرنسا من بعد يعني كيف تفهموا سبع سنوات ونصف مقاومة وبعدها نتفاوض مع فرنسا على اليد العاملة؟ يعني مستعمرين وأحرار نعمل عند فرنسا، فالذين يذهبون عند فرنسا من يختارهم لكي لا يعملوا لنا مشاكل، فنحن لم نكن كثيرون وكان باستطاعتنا كفاية أنفسنا بخدمة بلادنا فلماذا كل عام ندفع 35 ألف لفرنسا وهل الرحمة أنزلها الله عليهم فقط؟ لماذا لم يتم الرد على قانون 23 فيفري بالمثل؟ أعتقد أن النواب ممثلي الشعب بالبرلمان لم يصوتوا لقانون من شأنه أن يقول لفرنسا أن توقف هذا القانون المسمى 23 فيفري الممجد للاستعمار، فهي فتحت لنا الباب من أجل أن نضع قانونا في المجلس الشعبي الوطني. هناك في البرلمان من طالب أن يكون مشروعا لقانون يجرم الاستعمار، لكن المشروع لم ير النور، أنتم كمجاهد ووزير سابق للمجاهدين هل ترون أنه آن الوقت لهكذا قانون؟ الحقيقة أنه لما نتكلم عن فرنسا يجب أن نفكر في تملصنا منها عن حقيقة، نحن لا نحتاجها أنا أتكلم الفرنسية، ولكن خطأنا هو من الأول لم نبتعد عن اللغة الفرنسية، هو كل شيء مع الثقافة، فبعد 50 سنة ومازلنا نكرر ونعيد، فقانون 31 ديسمبر 1962 الذي ينص على أن القانون الذي تخلف من الاستعمار ولا يمس بالسيادة الوطنية يمكن استخدامه، فهل يعقل أن هناك قانونا لا يمس بالسيادة الوطنية؟ فهم قضوا على السيادة الوطنية ووضعوا القوانين التي يحبونها، أنا أتذكر أن الجبليين من شعب ومجاهدين اشتكوا لي وكانوا يسألونني »هل استقلينا أم لا لماذا بدأوا يطبقون علينا القانون الجماعي؟«. سنحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال، أنتم كمجاهد وكمسؤول سابق للمجاهدين، هل برأيكم آن الأوان لكي نجرم فرنسا؟ آن الأوان والفرنسيون قدموا لنا الفرصة بقانون 23 فيفري فأنا ممكن في يوم من الأيام مجدت فرنسا لكنني أخطأت، فنحن كجزائريين عمرنا ما نلتقي لنتحدث في أمورنا بجدية. ونحن الذين تنقصنا لغة الحوار بيننا ولم نستخدم النقد الذاتي. كيف ترون الدور الذي تقوم به وزارة المجاهدين حاليا؟ وزارة المجاهدين مازالت مسؤولة عن المعطوبين لأن المجاهدين كلهم معطوبون، وتشرف أيضا على الاحتفالات التاريخية التي تكلمنا عنها يوم الشهيد وغيرها. نترك لكم كلمة أخيرة تقولونها عبر جريدتنا؟ الصداقة بين الدول وليست بين الشعوب يجب أن يكون لدينا فنيين ومثقفين ليربوا الشعب الجزائري الناضج على المبادئ، فالفرنسيون يعملون عندنا ويقتنون بنقودنا، وشتمونا بالأمس ولا يزالوا، فلما نلتقي نحن الجزائريون بفرنسي أو فرنسية فينبغي أن نقول له أننا أحسن منه »هم ساهموا في تأخرنا اليوم يقول أصدقاء.. لا ليست هناك صداقة«. أنت ضد فكرة الصداقة؟ لا أعاهد على فكرة الصداقة أنا لا أنسى قرنا وربع القرن وأنا مستعمر وبعدها أضع الصداقة معهم، فلا يوجد أي مستعمر يحب لنا الخير.