بقلم / أ. يوسف الباز بلغيث في غمرةِ ما يكتنفُ الكتابةَ من تنازعاتٍ في المشهدِ الأدبيِّ و الثّقافيِّ،و مِن شُحِّ التّقديرِ لمختلفِ الأصنافِ الأدبيّةِ تبقى كتاباتُنا و إبداعاتُنا و بالتّالي مكتباتنا في عطشٍ دائمٍ لتثريتها،و ينتابُ كلَّ مَن يمارسُ الكتابةَ _ في الغالب _ هاجسٌ بالعزلةِ و العزوفِ عن التّدوين..! و ما يدورُ في الحياة من أحداثٍ يوميّةٍ متسارعةٍ ، ينأى الهمُّ بنا لانتهاز الفرصةِ لرصدِ ما يدفعُنا لتوثيق هذه الأحداث ،فيدوُّنها القلمُ لحظتَها ،ملوّحًا بتجربةٍ ذِي رؤيةٍ نافذةٍ ، تودُّ رسمَ معالمِ هذه الظّاهرة ..للكشفِ عن ماهيّتها و لتقديم الحلول لها. .. إنّ التّجربةَ تبقى سجينةَ منابرَ و منتدياتٍ و محافلَ ضيّقةٍ ، لا تصلُ فائدتُها إلى العامّة ؛ وأقصدُ بها القارئَ التّقليديَّ الذي ما زالَ مؤمنًا بلغةِ الكتاب ؛و في الصَّدد نفسِه تشرئبُّ الأصابعُ بالإشارةِ إلى دَورٍ هامٍّ تقومُ به دُورُ النّشرِ و الطّبع ، التي 0شتغلتْ _ في خضمِّ إملاءاتِ التّجارةِ و السُّوق _ بما يردُ إليها منَ الوزارة المعنيّة ، أو ممّا تسعَى إلى طبعِه و إشهارِه في معارضِ الكتابِ و 0حتفالياتٍ لكاتبٍ دونَ آخر.و ما ضرَّها أنْ تُهيِّئَ لجنةً خاصّةً لتقصّي الأعمالِ الجيّدة _ دونَ عِلم أصحابِها _ لتبنّيها بالطّبع و النّشرِ و التّوزيعِ في مقابلِ لجنةِ القراءةِ التي لا تهتمّ سوى بما يردُ إلى الدّار بعدَ عقدٍ و تقدمةِ مال..! .. هل ستكتفي دورُ النّشر بهذا الدّور المحتاج إلى إذكاءٍ و إحياء ؟؟ و هل ستبقى ذائقةُ المتلقّي بحاجةٍ مستمرةٍ إلى تجربةٍ تؤمنُ بكفاءَتها و صِدقيَّتها و لا تصلُ إلى شَبقِها ..و الهيئةُ المسؤولةُ سببٌ في 0نكفائِها و عطشِها الدّائم..؟ .. إنّ موتَ إنسانٍ يبعثُ على الحزن و الألم إزاءَ فواتِ طيفِه من على هذه البسيطة ، فكيفَ بأفكارٍ و حروفٍ مضيئةٍ ماتتْ قهرًا بسببِ تجارةٍ كاسدةٍ أو حساباتٍ فاسدة ..! و المسؤوليّةُ الكبرى تقع على عاتق دُور النّشرِ التي آمنتْ بالمال هدفًا -و لا عيبَ في هذا- يستوجبُ تقصّيه ،لا وسيلةً لتقصّي ما يجبُ أنْ يقدَّمَ للقارئ فاكهةً تهَبُ الافتخارَ لبائعِها و الصِّحّةَ و الهناءَ لمُبتاعِها، هذا و لن يكونَ المبدعُ _ أيًّا كان مكانُه و تواجدُه _بمنأى عن اللّوم لأنّه لم يفكّر في طرقِ بابِ الهيئةِ الوصيّةِ بحجّةِ إيمانِه المسبق بأنَّ صاحبَها ماديٌّ حتّى النّخاع ، أو أنَّ دُورَ النّشر على الإطلاق لا همَّ لها غيرُ جمع المال. .. إنَّ عناءَ البحثِ عن شاعرٍ فحلٍ أو كاتبٍ قديرٍ أصبحَ لا يُشكّلُ عائقًا حِيالَ الإلمامِ بالفئة المبدعة هنا أو هناك ؛ بل إنَّ القنواتِ التّواصليّةَ الاجتماعيّةَ اليومَ قد وَجَّهتِ الكاشفَ إلى المعنيِّ مباشرةً ، وميّزتِ القبيحَ منه و الجميلَ بما لا يدعُ مجالاً للسّؤال ( أين كنتَ ؟!). ..إنّي على يقينٍ من أنّ روحًا جماليّةً صالحةً – تمثّلُ هيئاتِها النّاشرةَ ، تؤمنُ بالعمل الجيّد - تمنعُها 0نشغالاتٌ جمّةٌ..!! و لكنّها تسعى لتبنّيه ،في أثناء ما يكتنفُ تعاملاتِها التّجاريّةِ في سوقٍ ألفتْ لدَى المتلقّي أذنًا و عينًا لا تُصدّقان إلاَّ بمَن 0شتهرَ و ذاعَ صِيتُه ، كان سببًا لجري تلكَ الدّار إليه ،وعزوفِها عن آخرَ مغمورٍ ..أكثرَ إبداعًا و أبلغَ إضافةً و أعمقَ تجربةً، يأنفُ بأدبِه و حُلمِه إلى عزلتِه ، هاربًا من أنْ يُرَدَّ مكسورَ الخاطر..و صدقَ الإمامُ الشّافعيُّ (رضي الله عنه) حينَ قال : (و إذا قصدْتَ لحاجةٍ ... ف0قصِدْ لمعترفٍ بقَدْركْ ). بيرين / الجزائر أكتوبر 2012