كان في عجلةٍ من أمره !..نبرتُه تنبئُ عن تجربةٍ جديدةٍ عذراء : " صباحَ الخير سيّدي؛ أنا صَحفيٌّ من جريدة (!!) يسعدني أن أُجريَ حوارًا مع شاعر مثلك ، و سأكونُ سعيدًا بقبولك!"..و ما إنْ هَمَمتُ بالرّدِّ عليه حتى أردف سريعا:" و لكي لا أعطّلُ حضرتَك ،و أشغلُ وقتَك سأتركُ لكَ حريّةَ صياغةِ الأسئلة ، لِتجيبَ عمَّا تشاءُ البوحَ به إلى قُرّائكَ ،و سأرسلُ لكَ طلبَ صداقةٍ بالفيسبوك مع بريدي الإلكترونيّ ، لِتزوّدني بالحوار متَى أتممتَ..عِمتَ صباحًا _ سيّدي _ و السّلام عليكم ". ..لم يتطلّبِ الأمرُ سوى دقيقةٍ على الأكثر ! و في الحقيقة ؛ إنّه و بقدر ما ٱعتلى سمعيَ أدبٌ طارئٌ مستعجلٌ ، بقدر ما تعجّبتُ من وقاحتِه المستعجلة !. و قد بدَا لي موقفُ جريدتِه الموقّرةِ،و هي تُفوّضُ مثلَ هذا و تضعُ فيه ثقتَها ، ليكون ممثّلا عنها و سفيرًا لها في المحافل و المناسبات !.. و كان من الضّروريّ بمكانٍ أن أتساءلَ عن شروطِ توظيفِ أمثالِ هذا " المتصاحِف" و هو لا يفرّقُ بين وظيفة الصَّحفي و بين مهنيّته. إنّني أستغربُ من القائمين على تلك الصّفحات و المنابر الإعلاميّة تغافلَهم عن مواصفاتِ مَنْ يمثّلونهم، وهُم يرسمونَ في مخيّلةِ القارئ طيفَ شبحِ صَحَفيٍّ .. اللّغةُ العاميّةُ المتفصِّحةُ ،التي غلبتْ على رعشةِ كلماتِه لثوانٍ معدودةٍ ، كانت تنمُّ عن مستوى تفكيرِه و سُلَّمِ أفكارِه .فهل يعني هذا إخلاءَ الجريدةِ مسؤوليتَها عن وقاحته ،و قد أوكلتْ إليه مهمّةَ الحديثِ باسمها ؟!.. لأنّ الاحترامَ الذي تُبنى عليه العلاقاتُ الإنسانيّةُ ، و التّقديرَ الذي سيتعبّقُ به نَفَسُه بأغبرةِ الوقاحة ،سينحصران بينَ الإعلام ( الوسيلة ) و الإبداع ( الرّسالة) ، و سيتحوّلان سخافةً و ٱزدراءً ، يحبُلان بسمومٍ و تمسرُحٍ خدّاع . .. إنّ من أساسيّاتِ التّحلّي ب"بِزَّة الصَّحفيّ" يستوجبُ الاشتغالَ على اللّغة الصَّحفيّة و آليّاتها، ثمّ التَّحلّي بآدابِ الحوار و العرض ، المنبثقِيْن من تفكيرٍ جادٍّ ناضجٍ ،و منهجيّةٍ فكريّةٍ سليمةٍ، ضمنَ إطارِ سياسةِ الجريدةِ ،و تحتَ رايةِ القناعةِ الشّخصيّةِ.و مواصفاتُ الصَّحفي المجتهد تحدّدُ مصداقيّةَ و قيمةَ المشروع الفكريِّ النَّهضَويِّ في سياسةِ هذه المؤسّسة دونَ أخرى. و بالنّظر إلى مستوى و كفاءةِ و تفكيرِ هذا " المتصاحف الجديد" يتبيّنُ مستوى ما ٱنتسبَ إليه و مثّله ؛و بالتّالي سنضعُ خطًّا أحمرَ تحتَ جوابِه المخفيِّ في البحث عن مستقبلٍ إعلاميٍّ واعدٍ :" هل التّوظيفُ بمؤسّساتنا الإعلاميّة ( إذاعة – تلفزيون – جريدة...) يقوم بناءً على عامل التّشغيل و حسب، بما يندرجُ تحتَ هذا العامل من محسوبيّة و محاباة ؟ أم على أساس الكفاءة و الإختصاص ، و ما ينكفئُ تحتهما من عصاميّةٍ و أكاديميّة و فنيّة ؟ ". ..إنّني أستغربُ من القائمين على تلك الصّفحات و المنابر الإعلاميّة تغافلَهم عن مواصفاتِ مَنْ يمثّلونهم ، و هُم يرسمونَ في مخيّلةِ القارئ طيفَ شبحِ صَحَفيٍّ ، لم يضعْ - بوقاحته- في حسبانه مدَى الأثر الوجدانيِّ على نفسيّة مَنْ يقرأُ له..و تنطلي عليه فكرةُ الإعجاب بما كتبَ ،و لم يُحرّرْ حرفًا واحدَا. ..تأمُّرُ مثلَ هذا على النّاس و ٱستغلالُ ٱسمِ الجريدةِ في ٱبتزاز المؤسّسات و الأشخاص ، بهدفِ تقديمِ الحقيقة ،و تنويرِ عقولِ العامّة ،و البحثِ عن الحلول للمشاكل و الأزمات يُخفي الزَّيفَ الرّابضَ على تمظهُرِ مُرصِّفٍ لكلامِ غيرهِ ، همُّهُ المالُ لا غيرَ ،و إن ذهبتْ مصداقيّةُ الجريدة أدراجَ الرّياح ؛ فضلاً عن كذبِه البائسِ على نفسه ، بأنّه قلمٌ يُحسبُ له ، يودُّ أن يكونَ له مكانٌ حقيقيٌّ بالغبث، و الحايُل و المكابرة ، و التّسلّل إلى العالم ببطاقة " صَحَفيّ" ، و قد أخذ الآخرونَ نصيبًا أكبرَ من كذبه و خداعه. ..فأينَ المروءةُ الصّحفيّة ؟ ..و أين المهنيّةُ المتخصّصة ؟..و أين الأمانةُ العلميّة في ميثاق الصّحافة اليوم !؟