"الشبكة" .. عرض مسرحي مثّل مدينة "مستغانم" في "مهرجان سيدي بلعباس للمسرح المحترف" في الدورة السابعة لهذه السنة 2013، أراد مخرجه أن يقدّم الجديد فخالف الكل لنيل شارة التميز، وهو ما شهد به غالبية الجمهور. بعيدا عن الخوض في غَيَابة الموضوع، المعالجة كانت تعتمد على الإبهار بالأسلوب، فبدأ العرض صامتا واستمر كذلك إلى نهايته بلا حوار، ماعدا تلك الصرخات من حين لآخر، وتلك الكلمة الوحيدة التي ترددت مرتين (أشعل). غُيّب الحوار عمدا لصالح الإيماءات الآلية والموسيقى التي تنوعت من القناوة إلى الحضرة وخليط جاهز مختلف ألوانه، تارة صاحب الحدث وتارة كان خلفية له ومرة أخرى كان لا معنى له ضمن السياق. "الشبكة" قد غرقت في العتمة التي فرضها المخرج لصالح هيمنة الصورة الفيلمية المعروضة في عمق الركح على كامل الخلفية "الشبكة" لم تلتزم بوحدة الموضوع من حيث تناولها عدة مواضيع مختلفة، ما ميز العرض بلوحات مشتّتة غارقة في الظلمة. ولعل ذلك يعود إلى سوء استخدام الإضاءة واختيار أزياء الممثلين التي بدت شاحبة الألوان، ما تسبب بإجحاف في حق الممثلين ذاتهم في الظهور. والملاحظات نفسها يمكن أن نصوغها على العناصر المرئية للسينوغرافيا التي كانت بالكاد تظهر، رغم أن السينوغراف أبدع فيها إلى حد ما من خلال توظيف الشبكة الأمامية التي أدت وظيفتها الدرامية، وكذا ذلك المجسم الفني سهل التفكيك والتركيب الذي تغير من "كرسي" إلى "محمل ميت" إلى "محراث" و"معول" و"شاهد قبر" و"قارب صيد" و"مركب للحراقة" ... كل هذه العناصر السينوغرافية لم تُمتّع المتلقي بصريا بالشكل الكافي تحت أي نوع من أنواع الإضاءة. ويمكن القول بأن "الشبكة" قد غرقت في العتمة التي فرضها المخرج لصالح هيمنة الصورة الفيلمية المعروضة في عمق الركح على كامل الخلفية، وبعرض زمني مستمر من أول لحظة إلى آخر لحظة، مع تفاصيل العرض السينمائي من جينريك البداية إلى النهاية بشكل غير مبرر، ما نجم عنه مسايرة الممثل بحركاته لما تعرضه الشاشة الكبيرة كخادم لها بدل العكس، هذه السلطة التي كرسها المخرج بإرادته تضاف إلى سلطة حجم الصور الكبيرة للعارض السينمائي مقارنة بحجم الممثلين الأمر الذي جعل المتلقي ينجذب إلى الفيلم وينسى أنه بصدد عرض مسرحي. ربما نلتمس للمخرج فرضية انتباهه إلى هذه الجزئية بالذات من ناحية الشكل، حيث جعل سطح العرض قماشا مقسما إلى أجزاء متفاوتة الطول وشبه منفصلة لكسر الصورة وإرباك المتلقي عنوة، وجعله يرجع بنظره إلى العرض الجسماني الحركي للممثلين. ولكن رغم ذلك فقد حدث العكس على الأقل بالنسبة لي كمتلقي ... حين وجدت نفسي ألعب لعبة إعادة تركيب ذهني للصورة الفيلمية الممزّقة وأتخيل ما يمكن أن تكون عليه لو لم تمزق بهذا الشكل. وما حثني على ذلك أكثر فأكثر هو نوع الفيلم الذي بدا لي تركيبيا بنسق معيّن من مجموع صور منفصلة بغرض إبهار الناظر إليها وتحفيز ذهنه، وربما إقحام الفيلم في العرض كان بغرض "خالف تعرف"، بحجة التجديد. في الأخير السؤال الذي يفرض نفسه بقوة في مثل هذا الموقف، ما هي حدود العلاقة بين المسرح والسينما؟ وأين تكمن التقاطعات بينها؟ ومن يخدم الآخر؟ ومتى يكون ذلك بالضبط؟ وهل تكفي حجة أن المسرح "أب الفنون" لاحتوائه باقي الفنون دون ضابط للمعايير والموازين؟ كلنا نعلم أن المسرح ألهم مخيلة السينمائيين منذ الإرهاصات الأولى في مرائي الأخوان "لوميير" سنة 1895، والمسرحي جورج ميليه أو ميلس الذي تحول إلى السينما واحتفظ بمبادئه المسرحية في أغلب أفلامه التي كانت مسرحيات فيلمية (مسجلة للعرض السينمائي)، على غرار فيلمه "رحلة إلى القمر"، واليوم يعود بنا الزمان ليستعين المسرح بالفيلم كعرض جزئي ضمن العرض المسرحي الأصلي ليضعه في خدمته ويصبّ في سياقه العام بانسجام ودون إرباك للمتلقي، لكن بكل حيطة وإدراك كامل لهذه الخطوة بلا إفراط ولا تفريط، لا إفراط في استخدام الفيلم ضمن وسائط العرض على حساب التمثيل المسرحي، فلا نعرف حينها "من يحتوي من؟". ولا تفريط في اللغة السينماتوغرافية التي يتكلم بها الفيلم وما لها من خصوصية على مستوى الإنجاز والعرض والتلقي ليكتمل العمل المسرحي المستضيف للعمل السينمائي ونتجنب قدر المستطاع إنتاج عروض مشوهة لا هي سينما ولا هي مسرح.