يبدو أنه لم يختلط الحابل بالنابل هذه المرة، بل اختلط القابل بالهابل، مدير يستلم ملف الهيئة الاستشارية في تواضع رهيب كأنه رئيس مصلحة، ورئيس مصلحة في صورة دبلوماسية كبيرة يصرح بأن اللجنة لم تُنصب بعد، لا تتطلب هذه اللعبة المسلية إلا تدخل الوالي شخصيا ليتولى ترتيبها شكلا ومضمونا، وبالتالي إسدال الستار نهائيا عن ألعاب مسرح الثقافة. مَن يبلغ مَن بالإجراءات الثقافية وبالقرارات المتخذة في شأنها، المدير أم رئيس المصلحة، ما هي الوضعية الأليق بالمدير، وما هي الوضعية الأليق برئيس المصلحة من بين هاتين الصورتين؟ العارفون بفنون التصوير وتقنياته يعتقدون أن "سي جلال" هو المدير بحسب الالتفاتة المثيرة التي يهيأ بها – حسب بعدها النفسي – وضعا آخر غير كونه رئيس مصلحة، كيف لمستشار ثقافي يجهل بأن إجراءات تأسيس هيئة بمعيار مجلس استشاري ثقافي قد تقدمت بخطوات مهمة، وتكاد تكون نهائية بما يعرف عادة باللمسات الأخيرة، ثم يضع صورة إلى صورة مديره مبهرجة بخبر يناقض ما توصل إليه المكتب الرسمي للثقافة في الجلفة. هناك مدير سنة فعلية ومدير سنة قولية في التشريح الثقافي، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بدعة إدارية تفردت بها ولاية الجلفة. القراءة الفنية للخبرين وكذا للصورتين توحي بأن مهزلة ثقافية، ولا أعتبر نفسي قد أسأت التعبير إن قلت بأنها فتنة ثقافية كبيرة تستدعي تدخل هيئة عليا لتنظيم وترتيب الوظائف، أو قل مراجعة السلم الإداري الذي بلا شك صار يبدو مضحكا. المهزلة الأخرى أن تصريح "سي جلول" بدأه ب:"عن مديرية الثقافة"، بمعنى أنه تصريح بالنيابة، مع أن في الخبر الآخر مدير الثقافة شخصيا يستلم ملف الهيئة الاستشارية الثقافية، أي أنه في خضم الإجراءات فعلا، وليس في حاجة ليصرح عنه أحد آخر، ألا يمكن أن نستنتج من هذا التناقض خبرا ثالثا أكثر بلاغة وأهمية وهو ما تضمنه كل من الخبر الأول والخبر الثاني؟ إن الصورتين تؤكدان أنه ليس في مديرية الثقافة مدير ورئيس مصلحة كما يقتضيه السلم السوي في تقاليد الإدارة العالمية، بل هناك مدير سنة فعلية ومدير سنة قولية في التشريح الثقافي، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بدعة إدارية تفردت بها ولاية الجلفة. من الصعب أن تعرف ماذا يريد مدير حديث العهد بمصير الثقافة والمثقفين، ولكن من السهل جدا أن تعرف كيف تتحرك زعانف حوت كبير يدرك جيدا كم دُرج في دواليب مديرية الثقافة، ويدرك أيضا حبكة ترقيع الفواتير، يدل على ذلك الأسماك الصغيرة التي تطوف حوله، العجيب أن هذه الأسماك الصغيرة تدخل إلى جوفه وتخرج فكأنها تجوب شارعا عتيقا ألفته منذ سنين.