الوصفة التي سنقدّمها اليوم ليست في كيف أن تتسلّق بسرعة سلّم الترقيات لتصبح مسؤولا؟ لأن اسناد ذلك التكليف في الجزائر لديه طقوس و بروتوكولات و أسباب و عوامل وشروط لا يعلمها سوى أولي الأمر منا، بل ان وصفتنا -التي ندّعي تواضعا فضل احراز السبق فيها- سوف تقتصر على كيفية النجاح و تسويق صورتك كمسؤول أمام الجموع الهائلة من الناس التي تنتظر منك أن تسهر الليالي لأجلها ... ولكن مشكلتك هي أنك لا تستطيع أن تُغضب من شرّفك - و ليس كلّفك- بالمسؤولية و لأنك أيضا تريد أن تكون على أكبر قدر من التأثير بأقل قدر من الجهد المبذول كونك لا تستطيع سهر الليالي. فأمّا الخطوة الأولى لكي تنجح عزيزي المسؤول في مهامك "النبيلة" دون أن تتسبّب لنفسك في معارك مجانية مع أصحاب الحق الأبدي في "المصالح"، فهي أن تطبّق مقولة عنترة بن شداد العبسي عندما سئل عن السبب في الرّهبة التي يزرعها كلّما حلّ بميدان معركة ... فقال راعي الإبل " كنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع" ... اذا يجب عليك أن تبحث عن "طريدة عنترة" كأول خطوة. عزيزي المسؤول يجب عليك أن تكثر من الزيارات الميدانية و أن تكون أثناء حوارك مع القائمين على الأشغال على درجة كبيرة من اليقظة و تتجوّل بعينيك في وجوه الحاضرين و تبحلق فيهم جيدا بحثا عن "طريدة عنترة" مع العلم أنه يفضّل الاستعانة بنظارات سوداء حتى لا تنكشف استراتيجيّة "البحلقة في العيون" ... حتّى اذا ما عثرت على الطريدة، فاسأله سؤالا حول تعطل مشروع أو عمل معين و لا تعطه الفرصة لكي يدافع عن نفسه بل حاصره بالأسئلة ثم اتّخذ قرارا "صارما" أمام الجميع بعزله أو تحويله أو توبيخه ... ثم انظر في وجوه باقي المسؤولين و سترى الخوف و الفزع على محيّاهم. ولا تنتظر طويلا الجرائد الورقية في الصّباح كي تقرأ عن "غزوتك"، فهي قد لا تأتي بسبب انقلاب سيارة توزيع الجرائد بعد زرع "دودان" جديد بلا اشارة تدلّ عليه أو قد تنفد من الأكشاك بسبب طومبولا رمضان. لذلك ما عليك، عزيزي المسؤول، سوى أن تقرأ عن نفسك في الجرائد الإلكترونية وستجدها كلّها تتغنّى بك كعنترة زمانه و تكتب بالبنط العريض: عنترة بن شدّاد يقرّر، عنترة زمانه يستدعي فلانا، عنترة يهدّد، عنترة يغضب في غزوة ميدانية و يرفض تناول الإكراميّات، عنترة يهدد بإلغاء المشاريع،... و تكمن خطة "طريدة عنترة" في أنها سوف تضمن لك انصياع الجميع و العمل تحت امرتك رهبة و ليس رغبة، وبالتالي لن تجد من ينتقدك أو يقدم نقدا أو اقتراحا بصفته حركة جمعوية أو مسؤول أو منتخب محلّي أو وطني. بل ان خطة "طريدة عنترة" سوف تخدمك حتى و أنت غائب مصداقا لقول عنترة بن شدّاد العبسي: و لو أرسلت رمحي مع جبان لصار بهيبتي يلقى السّباعا الخطّة الثانية هي أكثر دهاء و مكرا و لا تحتاج لا إلى طريدة و لا رمح و لا سيف عنترة بن شداد العبسي. بل يكمن كنهها في إثارة بعض مرتزقة الصحافة و هم في كل ولاية و في كل بلد تحلّ به مسؤولا. حيث تتطلّب منك هذه الخطة قليلا من الصبر و الملاحظة و القراءة للعناوين الصحفية طيلة بضعة أسابيع. و بعد ذلك اختر لقاء يجتمع فيه كل الصحفيّين ومراسلي الصحف و أطلق تصريحا تقول فيه" أنا أطالع كل ليلة الجريدة المحلية الفلانية وهي مثال للصحافة الجوارية و مصدر لمعلوماتي" و ما عليك سوى أن تتبع ذلك بأمر إلى المكلّف بالإعلام باستدعاء كل الصحفيين إلى زياراتك الميدانية القادمة التي ستطبّق فيها خطّة "طريدة عنترة". وساعتها أترك العجلة تدور لوحدها دون أن تكلّف نفسك عناء تدويرها أو تشحيمها وتزييتها إذا حدث احتكاك أو تلامس. ويكمن مفعول هذه الخطة الماكرة في أن جميع الصحفيّين - الا الشرفاء منهم طبعا- سوف يسعون الى استصدار كلمة مدح منك حول جريدتهم. أمّا اذا كانت لديهم عقدة نقص أو مصلحة تعطّل قضاؤها فانّك سوف ترى الكثير من الجرائد التي سيتمّ تأسيسها بين ليلة وضحاها من أجل سواد عينيك وطمعا في نيل بركات تصريحاتك. و يمكنك منذ تلك اللحظة أن تستدعي أيّا كان و تقدّم له أوراقا فيها أرقام واحصاءات و دع المسكين يلتقط معك صورة أو صورتين و أنت مثل "الأرنب الوديع" في حضرة "السلطة الرابعة" . وبالتّالي سوف تضمن مقابل مجرّد كلمة منك أن أولئك "الشرذمة من الصحفيّين"سيكونون مجرّد آذان أمامك و ليسوا أقلاما وأفواها تصدع وتقول بما هو كائن في العقول عمّا يجري في شتى الحقول. و لعمري أحسن من عبّر عن حالة الشّلل أمامك هو عنترة بن شدّاد حين قال: أنا العبد (المسؤول) الذي خُبّرت عنه و قد عاينتني فدع السّماعا أمّا الخطة الثالثة فهي وصيّة مني إليك عزيزي المسؤول ... و هي أنك اذا وجدت في ديوانك و أمانتك العامة "بطانة سوء" فلا تعمد إلى تغييرهم اذا رأيت أنهم مستعدّون لتقديم عرابين الولاء بين يديك اذا ضمنت لهم أنّك لن "تخرب" فيهم و لن تهدّد عصبتهم. وآخر ما أوصيك به عزيزي المسؤول هو أن تمتلك و لو قدرا ضئيلا من "صحانيّة الوجه" بأن تخرج عن اللباقة من أجل أن تصنع "كاريزما" لشخصك. و على سبيل المثال تستطيع أن تقول مثلا في اجتماع عام للمسؤولين "هذه المدينة متّسخة و غير نظيفة" !! لأن ذلك سوف يضمن انصات الجميع لما سوف تتلفظ به بعدها و لما ستقرّره لاحقا. عزيزي المسؤول، هذه هديّتي لك اذا أردت أن تكون المسؤولية "تشريفا" لشخصك، أما اذا كنت تريد أن تكون في حجم و قدر "التكليف" فما عليك سوى التوكل على الله عز و جل واخلاص النيّة له وبعدها اعمل وفق ما يمليه عليك ضميرك و لا تفرّق بين صغير و كبير و لا قوي و ضعيف في قراراتك، بل عاملهم على أساس أنهم سواسيّة في نظر القانون ... مادُمت تؤمن بأنك ستكون سواسيّة معهم يوم الحشر ...