رَحِيلُ الْمَعْنَى

" إنّ العُيُونَ التّي فِي طَرْفِهَا حَوَرُ / قَتلْنَنَا ثمّ قدْ أحيينا قتلانا
يملأن ذا القلب حتى لا خواء به / و هن اضعف خلق الله إنسانا "

عُيُونٌ ... عُيُون
عُيُونٌ تَعُبّ النّبِيذَ مِنَ اللّيلِ فِي
قاعِ رُوحِي الشّرِيدَهْ
كَأنِّي بِهَا خَافِقٌ يَرْتَقِي فِي المَرَايَا
سُؤالَ الْوُجُودِ

عُيُونٌ لَهَا فِي الصّحَارِي نِدَاءُ الدّلِيلِ
يَمُرّ بِهَا العَابِرُونَ مُكَدّونَ عَطْشَى
إلى مَوْطِئٍ فِي القَصِيدِ

وَ فِي مَائِها يكْرَعُونَ
فيَا مَاءُ اغسِلْ نَشِيدِي

وَ عَمِّدْ عَرَائِي مِن النّبْعِ تَحْتَ تَفَاصِيلِ
تِمْثَالِهَا المَرْمَرِيِّ
بِضَوْعِ الجُنُونِ
يُؤجِّلُ مَوْتا بَطِيئا
إلَى حِينِ أَفْتَحُ سِفْرَ الْخُلودِ

و يا ماءُ اكسُرْ بُرُوقِي
عَلَى حَلْمَةِ الفَجْرِ
لأقْطِفَ نصف الوجود
لِكَيْ احْتَسِي شَهْوَةً مِنْ كُرُومِ النّهُودِ

فبَيْنَ الحُضُورِ
و بَيْنَ الغِيَابِ
تَصِيرُ العُيُونُ رَحِيلا

دُرُوبَ العُيُونِ
خُذِينِي بَعِيدا بعيدا
لَنَا فِي رُبُوعِ المَجَازِ خِيَامُ
لنَا فِي تَرَانِيمِ النّسِيمِ مُقَامُ
خَصِيبٌ غُبَارُ القَصِيدِ
أَنَامُ عَلى رَاحَتَيْهِ دُهُورًا
و لمْ تَكْتَمِلْ فِي النّشِيدِ رُؤاي
أمُرّ منَ الرِّيحِ مُنْحَدِرًا فِي مَجَازِ المَعَانِي
كنَجْمٍ جَبَتْهُ إلى ليْلِ عَاشِقَةٍ هَجْعَة و هُيَامُ

دُرُوبَ العُيُونِ
خُذِينِي إلى انْتِصَارِي عَلَى المَوْتِ
بتَغْسِيلِ نَعْشِي بِرِيقِ الصَبَايَا
لِتُمْحَى ذُنُوبِي
و تُزْهِرَ أخْرَى أنَا بَعْدَ لمْ اقْتَرِفْهَا .....

معَ طُحْلبِ الشّمْسِ تَنْمُو شَهْوتِي النّافِرَة, تَسّامق في لغة الفجر, لغة تحلم أنها امرأة, و امرأة تحلم أنها لغة

مَاؤُها نخْبٌ " للمَارّين بين الكلمَاتِ العَابِرَة "
عيْن حَوْلَهَا بَنَيْنَا الخِيَامَ مُنْذُ بِدَايَةِ المَعْنَى
كُنْتُ أنَا و "جَرِيرٌ" وَ "السَّيابُ"
نَرْشُفُ بِكَاسَاتِ الثّمِلِينَ آخِرَ الظّلاَلِ فِي أهْدَابِهَا و المَعْنَى يَرْتَحِلُ
عيون عيون
عيون بغمزة تعُضّ المَدَى, تفْتحُ شُبّاكا للْخزَامَى
تفتحُ شُبّاكا لدَهْشَةِ الفَرَاشَةِ
فرَاشَة تَبْحَث تَحْتَ ضِلْعِهِ المعْوَج ...
عن خلجة الضّوْء
عن خلجة الضّوء

(*) طارق البوغديري، شاعر ورسام تونسي. صدر له "من صوف الغياب" 2012