قديمًا في السّتّينيات إلى السبعينيات و حتّى نهاية الثّمانينيات ، كان الفنّ الهابط – و منه الغناء السّاقط - مصنّفًا في خانة الممنوعات ، و المحرّمات ، و ليس له أيّ علاقة بالثّقافة .. كان كذلك يوم كانت الثّقافة معرفة استشرافية ينبري لها أهلها ليضعوا النّقاط على الحروف حتّى لا يقع انحراف عن مفهومها الصّحيح .. لقد كانت الثّقافة – في ميدان التنافس بين روادها و أهلها – قائمةً على تنمية الأدب ، و الإبداع ، و الإنتاج الفكري ، الذي يخدم الوطن و يرفعُ من شأنه ، و يحترم الذوق العام الذي لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية ، و الفطرة السّليمة ، كما هو الشّأن في برامج كثيرة كانت تذاع ، و تبث في الإذاعة و التلفزيون الجزائري ، يعيش خلالها المستمع أو المشاهد متعة الثّقافة الحقيقية .. برامج متنوّعة كلّها تشترك في الارتقاء بالمواطن الجزائري أدبيا و دينيا و سلوكيا و تربويا و فنّيًّا ... أمّا اليوم فقد نزلت الثقافة و معها الإعلام – إلاّ ما كان في مستوى هدهد سليمان عليه السلام - من مستواهما الرّاقي إلى حضيض التّدنّي السّلوكي و الأخلاقي .. فما كان ممنوعا و محرّما في الأزمنة الماضية صار مباحًا ، و مدعومًا ماديا و معنويا في زماننا الحاضر .. فحتّى المواقف السّياسية تغيّرت ، فيوم غنّت وردة الجزائرية للسّادات صاحب رحلة العار إلى الكيان الصّهيوني صنّفت ضمن المغضوب عليهم ، و منعت من دخول الجزائر ، و إلى جانبها الشّاب خالد هو الآخر كان ممنوعا في الإذاعة و التلفزيون و حتّى في الأسواق لأنّ أغانيه كانت متنافية مع قيم المجتمع الجزائري ، و اليوم يصبح هو و من على شاكلته في الصّفوف الأولى التي يُصفّقُ لها رسميا و شعبيًا . هذه الثّقافة المدجّنة دخل ساحتها من ليس منها ، بل عبث في ساحاتها غرباء متغربون ، و تغريبيون ، و غربان ، بحيث شوّهوا صورتها و غيّروا من جمالها ائتمارا بأمر الشيطان الذي قال { ... و لآمرنّهم فليغيرنّ خلق الله ...} [النساء/119] .. كانت الثّقافة في بلدنا وسيمة ، جميلة ، فسحقت بمساحيق غربية جعلت في وجهها تجاعيد عجّلت بشيخوختها ، و من ثمّ أصيبت بمرض "الزهايمر" الذي لا يدري صاحبه ماذا يصنع ، و أين هو ، و ماذا يريد ؟ .. هذه النّتيجة السّلبية ، و النّهاية الآثمة التي وصلت إليها ثقافتنا المظلومة أنتجت منظومة جديدة من القيم الغربية الغريبة على مجتمعنا ، و التي تعتبر شذوذا عن الدين و العرف و العادة و الخصوصية المجتمعية للشعب الجزائري . فمن الدّواهي النّاتجة عن هذه الحال التعيسة التي أصابت الثقافة و الإعلام و الشباب و الأسرة و التضامن ما يعرف بمسابقة ملكة جمال الجزائر التي جرت فعاليات اختتامها يوم الجمعة 05-09-2014 و التي أثارت ردود فعل وزراء و رجال أعمال كانوا يمتّعون أنفسهم بالحضور ، فمنهم من انسحب ، و منهم من ندّد ، و منهم من انتظر ، و ذلك بعد تصريحات ملكة شمطاوات فرنسا "جونوفياف دوفونتوني" البالغة من العمر 82 سنة ، و التي أهانت فيها - بعبارة ثقيلة – الجزائر حيث اعتبرتها فرنسية .. و بعد الزّلّة النّابية المقصودة التي أحدثت صخبا ليس في محلّه افتعلت مشكلة للتّمويه عن التّبعية للتقاليد الغربية ، و المشكلة ليست في الشمطاء الفرنسية ، و إنّما فيمن حضّر لفعاليات هذه المسابقة و دعّمها و حضرها و صفّق لها .. فحضور وزراء لهذه المهزلة المستنكرة، هو اختزال لمجتمع بأكمله ، و تزوير عن إرادته و تحريف لسمعته ، و بالتّالي فتصريحات العجوز الشمطاء الفرنسية لم يخرج عن الحال الموجودة في القاعة ، و الذي اعتبرته قبولا و رضًا بالثقافة الفرنسية التغريبية ، لأنّه لم يكن في يوم من الأيام نشاط خارج عن أخلاق و تقاليد المجتمع الجزائري إلا منذ ثلاث سنوات حيث عمر المسابقة المحتضنة لقبح أخلاق من تشارك فيها من بنات الجزائر ، و عليه فإنّ الامتعاض من هذه التصريحات لا يقدّم و لا يؤخّر ما دام للفاجر شهوة الحضور ، و للماكر رغبةٌ فيه .. و في النّهاية سحب الحرية الشرعية من المرأة الجزائرية و تكبيلها بقيود العبودية الجنسية بعد عرضها في أسواق المزاد العلني تحت إشراف الماسونية العالمية . (*) كاتب و باحث و داعية