احتياطيات العالم من الغاز الصخري لست بصدد الحديث عن ما يثيره موضوع البحث عن الغاز الصخري في الجزائر، وما يمكن أن يترتب عنه من مخاطر على بيئة وصحة الإنسان مثلما تتناقله معظم وسائل الإعلام المغرضة، ولا عن تصريحات مدير سونطراك - الشركة التي ترفرف راياتها نداً للراية الوطنية في كافة مقراتها الإدارية، بل وللرايات الأجنبية في كافة مراكز التنقيب - الذي أكّد نيابة عن الدولة بأنّ العملية أمر واقع، وأنّها قرار لا رجعة فيه، وانّه يجب حتماً الثقة به وبخبراءه بأن لا ضير من هذه العملية.. كما أنني في هذا المقام لست بصدد الحديث عن درجة الثقة بين صانع القرار والمتأثرين به من مستفيدين ومتضررين، ولا عن إمكانية اللجوء إلى وسيلة الغاز - المسيل للدموع هذه المرة - إذا ما لم تقتنع تلك الأصوات بجدوى وسلامة الغاز الصخري!!.. ولا أنا بصدد الحديث عن مدى سيادية القرار واستقلاليته على المستوى السياسي، ولا عن تجارية المشروع وربحيته بالنسبة للشريك TOTAL ونسبة شراكته (49% ؟؟..) على المستوى الاقتصادي.. إنني أريد حلاً للغز الغاز باعتبار إستراتيجية قرار اللجوء إليه من عدمها؟ فهل لجوؤنا إلى نوع آخر من النفط خيار استراتيجي؟ أم حتمية تمليها ظروف داخلية وخارجية؟ إننا وبعد نكسة أسعار النفط، وبعدما تبيّن انّ قرار تحديد سعر البرميل لم يعد على مستوى مشترك فيما تبقى من هيكل كان يُدعى الأوبك!.. وبعدما قررنا اتخاذ إجراءات تقشفية نتيجة اختلال احتياطاتنا المالية؛ نقرر اليوم العودة إلى أسر النفط مجددا، والدخول إلى قفص الطاقة الأحفورية طوعاً ؟!!.. بعدما تأكّدنا بأنّ الرهان على جواد واحد يقوده فارس لا يملك زمام التحكّم، وهو معرّض للانتكاس في أي لحظة - قد تكون حاسمة - نغامر ونخوض نفس الرهان، ونقامر بمستقبل أبنائنا. لأن "هذا الغاز من ذاك النفط"، قابل للنفاد ومعرضة أسعاره للانهيار، هذا إذا فرضنا اقتناع الناس بعدم خطورة استخراجه!.. إنّ إصرارنا على خيار واحد، وعدم تنويع مواردنا؛ التي يزخر بها وطننا كالفلاحة والسياحة، اللذان لا تستغل الجزائر سوى النزر اليسير من مجالاتهما، ويوفران مناصب شغل عديدة ومتجددة، ويساهمان في ضمان الحاجات الضرورية للمواطن وتحقيق أمنه الغذائي، وتعزيز مكانة الجزائر كمركز جذب سياحي وثقافي هام يجمع بين العمق العربي والإسلامي والخصوصية الإفريقية والمتوسطية.. وقبل ذلك أولوية الاستثمار في الإنسان المورد الأكثر ضمانا واستمرارية وعقلانية في استغلال باقي الموارد.. يجعلنا مجبرين على حل الألغاز المحيرة المثارة حول موضوع الغاز بطريقة جذرية، لأن أسلوب امتصاص الصدمة في اتخاذ القرارات الذي نعتقد أنه ينفع معها قد يؤجل المشكلة ولكنه لا يحلها بل يعقدها ويؤجل انفجارها.. والضجة الحاصلة حول هذا الخيار هي ضجة ظرفية وأضرارها محدودة في الزمان والمكان - وهذا ليس تقليلاً من شأن تلك الأضرار إذا ما ثبت ضررها، ولا تقزيماً من عدالة القضية - لكن الضجة التي ستحدها الأجيال القادمة والأضرار التي سيتكبدها فلذات أكبادنا سوف تكون وخيمة، لأننا نجبرهم على خيار صعب، ونرهن مستقبلهم بمورد قابل للنفاد هو الآخر من وجهة نظر الإدارة الإستراتيجية للبيئة المستدامة، ولأننا نجبرهم على الدخول في لغز هم وحدهم من يتولى حله؟!!..