في تقديري الشخصي، وقد يشاركني الكثيرون في هذا بأنّ معارض الكتاب تلعب دوراً ثقافيا، وفكريا مهما، أصبحت بفضله بمثابة مهرجانات ثقافية ينتظرها المثقفون، والكُتّاب، والمبدعون ، وكذا شريحة كبيرة من المجتمع بشغف، إذ إنها تحتفي بالفكر ورواده، وهي فرصة حقيقية لتلاقي الأفكار وتبادلها. وتحفل أغلب دول العالم بما في ذلك الجزائر بمعارض الكتاب سوى جهويا، أو وطنيا، وعلى رأس هذه المعارض، المعرض الدولي للكتاب السنوي الذي نعيش فعالياته هذه الأيام. لا شك أن الجميع يستشعر من خلال هذه المعارض أهمية الثقافة، والاطلاع على مستجداتها، وأهمية الكتاب والقراءة، إذ إن إقامة المعارض تحفظ للكتاب قيمته، وأهميته ودوره البارز في تطور الإنسان وتعلمه.. والحفاظ على وهجه القديم من خلال الاقتناء والقراءة، خاصة وأن مكانة الكتاب اهتزّت كثيراً بعد التطور التكنولوجي، وظهور الإنترنيت والكتاب الإلكتروني، الأمر الذي أجبر كثيراً من القراء على هجْر الكتب، والتوجه إلى تلك التقنية الإلكترونية. وحفاظا على الكتاب كوسيلة معرفية، وكحامل للحضارة الإنسانية، وكنوز المعرفة؛ فإن معارض الكتب ستبقى مهمة بشكل كبير لنشر الكتاب وتوزيعه، والتحسيس بأهمية القراءة، وضرورة اقتناء الكتاب في شتى مناحي الفكر، وهذا ما لاحظناه، ونلاحظه في معارض الكتب، سيّما المعرض الدولي، فالإقبال كبير على الكتب العلمية والتقنية، والمدرسية من قبل الطلاب الجامعيين، وتلاميذ كل المراحل المدرسية؛ بل حتى الأولياء يرافقون أبناءهم للاطلاع على ما في المعارض، ومساعدة أبنائهم في اقتناء الكتب التي يحتاجونها، ولا تسلْ عن المثقفين، والكُتّاب، والمبدعين في هذه المعارض التي يعتبرونها فرحا سنويا، فرصة للقاءات، وندوات فكرية، وحضور محاضرات قد يكون ضيوف شرفها قامات فكرية وطنية، أو عربية، أو عالمية. حقًّا نحن لا ننفي أن الكثير من العناوين المعروضة عُرضت سابقا؛ ومنها ما أعيدت طباعتها، وقد يحمّلها المحتاج إليها من الإنترنيت بسهولة، ولا يكلف نفسه الذهاب إلى المعارض، كما لا يدفع سنتيما واحدا؛ كما أن هذه المعارض تحوّلت إلى سوبيرات تجارية لدى الناشرين كسائر السوبيرات التي تبيع الموادّ الغذائية، وقد نتّفق على أن نسبة كبيرة من المجتمع لا تملك الحاسوب، ولا تحسن استعماله، وبالتالي لا تستفيد من خدمات الشبكة العنكبوتية؛ وحتى الذين يستفيدون من هذه الشبكة ، ويحمّلون الكتب الرقمية منها يُقرّون بأن قراءتها من الشاشة مرهقة، وتخلو هذه القراءة من مرافقة كاتب النصّ، وكذا فقدان متعة القراءة. صحيح أن غالبية الشباب والمثقفين يتناولون المعلومات ويتلذذون بالقراءة من صفحات الإنترنيت، والمجلات، والصحف الإلكترونية، ويقضون جلّ أوقاتهم في تحميل النسخ من الكتب الصادرة حديثا، إلاّ أنه مهما وصلت إليه تلك التقنيات من تطوّر فستبقى القراءة من الكتاب الورقي هي المحبّبة، والأقرب للنفوس، والأكثر متعة وإثارة، وسيدوم البقاء للكتاب الورقي كونه المصدر الأساسي، والمرجع الرئيس الذي يعتمده الباحثون في دراساتهم وأبحاثهم؛ كما أن الكتاب الورقي في متناول الجميع، تستفيد منه كل شرائح المجتمع صغارا وشبابا، وكبارا؛ أمّا الكتاب الإلكتروني فإن كبار السنّ، وضعاف النظر، والذين ليس لهم رغبة في التعامل مع الحاسوب، أو فشلوا في تعلّم تقنياته يبقى لديهم الكتاب الورقي المصدر العلمي والتثقيفي، والتعليمي الرئيس؛ إذ التوثيق لا يكون إلاّ بالمصادر الورقية المعتمدة، والكتب المدقّقة والمحقّقة؛ كما أن الكتاب الإلكتروني قد يفتقد إلى المعايير الأخلاقية، ممّا يساعد على نشْر الكتابات الرديئة، والمستوى الفكري والثقافي المتدنّي، وفسْح المجال للمقتبسين، ولصوص الكتابة. من خلال زياراتي لمعارض الكتاب، سيّما معرض الكتاب الدولي بالجزائر، والذي يُقرّ أغلب الناشرين العرب أنه من أنجح المعارض في العالم العربي من حيث المبيعات، ومن حيث وعي زوّاره، واقتنائهم لنوعية الكتاب، والتقائي اليومي بالعديد من المثقفين والكُتّاب والمبدعين الذين يرون فيه عيدا سنويا فريدا من نوعه، وإن اعترف العديد منهم أنهم في كل سنة يبتاعون عشرات العناوين من الكتب الفكرية والإبداعية الصادرة عن عدة دور نشر عربية معروفة بعراقتها، بما فيها آخر ما صدر بالجزائر إلاّ أن هذه الكتب المبتاعة يدور عليها الحول، ولا يتمكنون من تصفّحها، وتُضاف لها عناوين أخرى كل سنة، وتلقى نفس المصير. الرأي عندي، أن أهمّ هدف لمعارض الكتب يجب الالتفات إليه، هو السعي في صناعة المثقّف الواعي، والنّجاح في استقطاب الجمهور الواسع من كل الشرائح، ليس للفرجة، والتسوّق البريستيجي، إنما لتوسيع الوعي بأهمية دور القراءة، والتثقف المستمرّ؛ ولن يتحقق هذا إلاّ بواسطة الكتاب الذي سيبقى دومًا أحسن، وأوفى صديق. (*) بشير خلف: كاتبٌ وقاصٌّ ..رئيس رابطة الفكر والإبداع بولاية الوادي