ملف خطر الانتشار النووي لم يعد ملفا خاضعا لرؤية متطابقة مع ما تنص عليه المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات وانما اضفي عليه الطابع السياسي .. وهذا من خلال انفراد مجموعة من الدول بالملف واحتكار ادارته بشكل مخالف لكل ما اقرته المجموعة الدولية الموقعة على هذه الالتزامات. وهذا التوجه المقلق اقصى دور الاممالمتحدة في التكفل بهذا الملف واخذ الصدارة في متابعته وفق ما جاء في كل تلك النصوص المتعلقة بالملف النووي والوكالة الدولية للطاقة النووية لا تستشار الا في آخر المطاف ولا يؤخذ برأيها وانما يسجل كتوصية حبر على ورق لا يتعدى مقرها. هذا الانكار الامريكي والفرنسي والبريطاني والالماني عقد الملف النووي في العالم الى درجة فعلا اننا اصبحنا امام استفزازات وابتزازات سافرة تظهر حقا ان هذه البلدان تعتمد الغطرسة والمنهجة في التعامل مع الملف النووي في العالم. لذلك فان هناك تسييسا للمسألة مما جعلها تشهد تشابكا وتداخلا في افرزاتها تستبعد اي حل في اقرب الآجال لان هناك نظرة احادية الجانب بمعنى ان هذه البلدان هي صاحبة المبادرة في فرض منطق معين في اكتساب النووي على البعض دون البعض الآخر اذ تسمح لاسرائيل بحيازة النووي واستعماله لاغراض عسكرية في حين تمنعه على الباقي من البلدان وعينة ايران خير دليل على ذلك. وبتحليل تلك العينة نستشف ان هناك مقاربات لا بد من الاشارة اليها غريبة الاطوار: @ اولا: لا يحق لاي بلد تنمية ناصية العلم التي حتما تؤدي الى مراحل متطورة في البحث تصل الى اقامة برنامج نووي ولا بد في هذا الشأن من التذكير بان لجنة التفتيش الاممية في العراق كانت تقصد الجامعات العراقية للبحث عن دراسات حول اسلحة الدمار الشامل. @ ثانيا: التداخل المسجل بين ما هو اممي والتحالف الدولي ونعني هنا اقصاء مهمة الاممالمتحدة في هذا الاطار واحلال محلها كل من امريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا للاضطلاع بدور ليس من دورهم بتاتا. @ ثالثا: التلويح باستعمال القوة ضد اي برنامج يطور في العالم وهذا مسعى لا يقوم على اي سند في مواثيق الاممالمتحدة وانما يندرج في اطار تداعيات «تسييس» الملف النووي. @ رابعا: لا ترضى الدول السالفة الذكر بأي حل يخص ايران ولا يهمها نقل عملية التخصيب الى تركيا او البرازيل وانما هدفها المسطر هو تفكيك برنامجها النووي وتسليمه لهم في حاويات تنقل اجهزته الى هذه البلدان. وان كنا لم نصل بعد الى هذا المطلب فان المراحل القادمة ستذهب الى هذه الدعوة وان وصل الجميع الى باب مسدود فان فرضية استعمال القوة تصبح الاكثر ورودا في هذا السياق. بالاضافة الى ادراج عنصر آخر وهو المتعلق بالعقوبات التي فشلت مسبقا وولدت ميتة انطلاقا من ان اصحابها لا يؤمنون بها اي قطعا لاسباب براغماتية الا انهم لا يستبعدون اللجوء الى القوة وهذا الحل سيوضع في آخر السيناريوهات لكنه قابل للتنفيذ ولا يمكن اسقاطه من باب ان الجميع يتبجح به خاصة الولاياتالمتحدة واسرائيل الا ان احتمالات اشتعال حرب شاملة في كل المنطقة تقلص من اتخاذ قرار قصف المفاعلات النووية الايرانية لان المعطيات تغيرت من فترة التسعينات الى غاية يومنا هذا. ومن جهتها فان ايران لن تتراجع ابدا في مسارها هذا، وهذا من حقها في اكتساب البحث العلمي لاغرض متعددة لان المجال مفتوح ومسموح لاسرائيل وغيرها من البلدان في حين ممنوع على الآخرين. لذلك فحظر الانتشار النووي لم يعد التزاما يتطلب الامر التقيد به او السير عليه وانما تحول الى تصرفات سياسية تجاوزت ما ورد في النصوص لانه ليس هناك اي بند في هذه الاتفاقيات يمنع اكتساب النووي لذلك فان البلدان الكبرى وجدت في مجلس الامن الوسيلة المستعملة التي يخول لها تطبيق العقوبات على اي بلد وكذلك التصرف من قرارة نفسها في الاعتداء على ذلك البلد عسكريا لانه يملك النووي وعليه دفع ثمن ذلك. وهذا اشكال قانوني على مستوى الاممالمتحدة التي يمكن لها ان تلجأ الى آليات محاورة الآخر عن طريق الوكالة الدولية للطاقة النووية دون تضخيم وتمويل هذا الملف الى درجة تحويله الى ازمة حقيقية ونزاع حاد يستعصي حله كما نقف عليه اليوم. وكل التبريرات المقدمة من قبل الولاياتالمتحدة ومن يدور في فلكها غير مؤسسة لانها في كثير من الاحيان تبدي تخوفاتها من سقوط «النووي» في ايدي الجماعات الارهابية وهي بذلك تشير صراحة الى ما تبقى من ركائز المقاومة ضد اسرائيل وهيمنة امريكا على المنطقة في الشرق الاوسط وهذا طرح يثار الى جانب الآراء الاخرى التي ما فتئت تصرح بها لتفتعل كل المبررات لاي عمل تخطط له، حقا اننا امام منطق لا يساير احد من احرار هذا العالم، اي استعمال القوة بدلا من الحوار في حل مشاكل المعمورة.