يطوي الزمن آخر أيام السنة الجارية لاستقبال سنة جديدة، مليئة بالطموحات والآمال المشروعة لبلد وشعب لهما من الإمكانيات والوسائل المالية والمادية ما يؤهل لتبوء المكان المستحقة على الصعيدين الدوليين الإقليمي والعالمي، تصحيح مسارات الانفتاح الحذر والمسؤول وتعميق الشراكة ذات المنافع المتبادلة في كل الاتجاهات، التي تبدي قناعة مماثلة عربيا وإفريقيا وأوروبيا ودوليا حسب الفرص المتاحة، مع الارتكاز في الأساس على القدرات الوطنية وتنميتها ضمن إجماع سياسي واقتصادي واضح، على الخيارات التي تستوجبها المرحلة بعيدا عن حسابات حزبية أو فئوية لا تراعي الأهداف الإستراتيجية للبلاد، والتي يعد فيها المواطن العنصر الجوهري في كل تحول باتجاه النمو والتطور، تماشيا مع الالتزام بأهداف الألفية للأمم المتحدة باعتبارها المحك الذي تقاس به نسبة تطور الأمم. البلاد تتوفر اليوم على برنامج تنموي سطرته الدولة، هو بمثابة ورقة طريق نحو المستقبل وجندت له الخزينة العمومية موارد مالية غير مسبوقة، في ظل امتلاك أوراق مختلف أسباب المناعة من محيط دولي متغير بسرعة، ومن ابرز تلك الأوراق فك قيود المديونية إلى غير رجعة كما هو مفترض ويجب أن يكون، وتكريس مناخ الاستقرار بفضل خيار السلم والمصالحة، ضمن الضوابط القانونية التي تمثل القاسم المشترك للمجموعة الوطنية، وكذا السعي إلى إرساء دعائم سلطان القانون، ومن ثمة النهوض بالذهنيات والارتقاء بها إلى درجة عالية من المسؤولية ليس بالمفهوم السلبي وإنما بالمفهوم الايجابي، بمعنى أن لا يستمر العمل بعقلية اللامبالاة بقدر ما ينبغي أن يتحمل كل في موقعه المسؤولية كاملة، بعيدا عن أي انزلاق لخلط الأوراق أو إشاعة مناخ التشكيك المثبط للعزائم، الأمر الذي يرغبه محترفو الصيد في المياه العكرة ممن يقتاتون على الأزمات والندرة والاحتكار والفوضى. وما تحتاجه البلاد اليوم على المديين القصير والمتوسط، هو العمل بإخلاص على تعميق مسار التقويم الوطني وترسيخ أخلقة الحياة العمومية، بالتصدي للفساد حيثما وجد بما فيه الفساد السياسي والحزبي، حيث تتحمل الأحزاب واجب نبذ الأنانية والمزايدة السياسوية، كونه لا يمكن على الإطلاق العودة إلى الوراء، بعد أن سمحت الرزانة والحكمة والتبصر في أعلى هرم الدولة بتجاوز تلك العشرية الهدامة، التي أهلكت النسل والزرع لولا أن القوى الحية للبلاد أوجدت الوصفة، بحل مسؤول وبالتفاف المجموعة الوطنية حول مخرج هو المفروض بوابة للمستقبل، حتى لا تورث الأجيال فيروسات تلك المرحلة التي تغذت بفتنة السلطة، ووجد فيها الرديئون على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحزبية ضالتهم لبلوغ مراتب لا يستحقونها، وتراهم اليوم كيف يملئون الساحة ضجيجا، بينما الأمور تستوجب رص الموارد البشرية والمادية باتجاه التنمية وحماية دواليبها من أي عطب محتمل، جراء تربص أهل الفساد بها ومن ثمة ينبغي على الأحزاب خاصة التي لديها دور في المجالس المنتخبة، أن تلتزم الهدوء وتساهم في الدفع بوتيرة الانسجام قدما والضرب بقوة على أيدي المتهاونين والمرتشين في البلديات والولايات، ذلك أن الأمر يتعلق بمصير منظومة مؤسساتية ترتكز عليها الدولة في التصدي لما تترتب عليه التحولات على مختلف الأصعدة، خاصة وان كافة الشروط اللازمة لذلك تم تجنيدها بما في ذلك داخل أوساط القضاء، الذي تتطلب منه التحولات الارتقاء إلى مستوى تحديات تجسيد دولة القانون وإنهاء حالة الظرفية، ولذلك لا يعقل بأي حال من الأحوال ولكل القطاعات المفصلية، أن يدوم موقع للفساد أو التهاون في أداء الخدمة العمومية والتردد في الموقف تجاه مشاريع التنمية، بعيدا عن أي ارتجال أو تسرع أو انتهازية أو سوء تقدير الأمور.