باقتراب موعد الاحتفالات بعيد ميلاد السيد المسيح، عليه السّلام، وبداية السنة الميلادية الجديدة، يشتدّ نسق التحضيرات، كما تشتدّ «الحمّى» في أوساط المولعين والعائلات الميسورة بالخصوص ولدى الشباب عموما استعدادا لهذا الحدث والاحتفال به في الخارج، حيث يشدُّ من يملك الإمكانيات المالية رحاله ، فيما يفضل آخرون البقاء بالجزائر وإحياء الاحتفال ببيوتهم أو بالفنادق الكبرى، لكن ونظرا لقلتها فإن الحجز فيها بهذه المناسبة يتطلب واسطة كما يتطلب أيضا المال الكافي، لأن تكلفة ليلة واحدة تفوق غالبا دخل شهر كامل لموظف بسيط، فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بعائلة تتكون من عدة أفراد؟ وتقترح الوكالات السياحية في الجزائر بهذه المناسبة على هؤلاء أسعارا تنافسية إلى حدّ الإغراء لتحفيزهم على السفر إلى أوروبا لمن استطاع إلى ذلك سبيلا بالطبع (التأشيرة والمال) أو لبلدان أخرى، غير أن تونس الشقيقة تبقى وجهة مفضلة للجزائريين للسياحة والترفيه، لما لها تقاليد عريقة ودراية واسعة بمتطلباتها ومتطلبات وأذواق السواح الوافدين إليها، نظرا لثراء وتنوع المنتوج السياحي لديها فضلا عن المستوى المُرضي للخدمات.ورغم أن الجزائر أجمل وأكثر ثراء وتنوعا من حيث المكتنزات الطبيعية التي وهبها اللّه وهو ما يعترف به حتى أشقاؤنا في تونس بمن فيهم أولئك الذين ينشطون في قطاع السياحة، لاحتوائها على العديد من المناطق الخلابة لم تطَلْها يد الإنسان بعد ، إلا أن ما ينقص هذا القطاع الحيوي عندنا هو انعدام الثقافة السياحية التي تعتبر إحدى نقاط قوة وجذب رئيسية للسياحة في تونس التي يؤمّها نحو 7 ملايين سائح سنويا، تقدر نسبة عدد الجزائريين الوافدين إليها سنويا بما يفوق 10 في المائة من العدد الإجمالي للسواح العرب والأجانب، حيث يحتلون المرتبة الثالثة بعد كل من ليبيا وفرنسا حسب إحصائيات الديوان الوطني للسياحة في تونس . ويفيد ذات الديوان بهذا الشأن بأن ما لا يقل عن 876 ألف جزائري زاروا تونس في الفترة ما بين الفاتح من جانفي و31 أكتوبر لهذا العام، بعد أن كان عددهم السنة الماضية 961343 سائح، وفقا لذات المصدر. ومن جهة أخرى، تمثل تونس بالنسبة ل3 آلاف مؤسسة إستثمارية أجنبية مقرا لأنشطتها، كونها تتوفر على مزايا وحوافز مشجعة للمستثمرين بفضل تشريعات وقوانين ومحيط استثماري تفاضلي وبنية تحتية هامة متطورة وعصرية (8 مطارات دولية تنطلق منها رحلات نحو 55 وجهة دولية و8 موانئ تجاري). تطور في نسق الأسواق الأوروبية رغم الصعوبات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على أكثر من مجال متسبّبة في تراجع أكثر من قطاع في بقاع العالم، فقد سجلت مداخيل السياحة في تونس خلال هذا العام وإلى غاية شهر نوفمبر الماضي تطورا إيجابيا قدرها المسؤول الأول للقطاع السيد «سليم التلاتلي» بحوالي 1,5 في المائة، واعتبر الوزير الذي كان يتحدث أمام مجلس المستشارين أن نسبة العائدات «جيدة» إذا ما تم ربطها بالصعوبات العديدة التي مرّت بها السياحة في تونس هذا العام، حيث أثّر تزامن شهر رمضان المعظم مع موسم الذروة على مردودها خلال تلك الفترة التي يعوّل عليها كثيرا لتقويم أداء الموسم. وأرجع ذلك التراجع إلى تقلص عدد الوافدين من سوق دول الجوار (الجزائر وليبيا)، والتي حافظت مع ذلك على ديناميكيتها المعهودة، فيما سجل العام الماضي توافد نحو 36 ألف سائح من موريتانيا، حسب السيدة نزيهة خليفي، من الديوان الوطني للسياحة في تونس. وعرف قطاع السياحة في هذا البلد، خلال السنة الجارية، تطورا في نسق الأسواق الأوروبية التي سجلت زيادة بنسبة 1,8 بالمائة، بعد أن شهدت السوق الفرنسية ارتفاعا ب29 بالمائة، لكن تظل السوق الروسية هي الأولى بالنسبة لعدد الوافدين إليه من أوروبا للسياحة والإستجمام، مسجلة ارتفاعا بنسبة 49 بالمائة. في هذه الأثناء، تَواصَل بحسب إحصائيات وزارة السياحة التي تعد واحدة من أهم الوزارات في تونس تراجع كل من إيطاليا وألمانيا رغم أنها أسواق تقليدية هامة للسياحة التونسية التي توقع القائمون عليها والأطراف الفاعلة فيها أن تحقق نسبة أرفع خلال شهر ديسمبر الجاري لتزامنه مع العطلة المدرسية وعطلة أعياد رأس السنة، حيث يُنتظر أن يشهد الجنوب التونسي كالعادة في مثل هذه الفترة من كل عام إقبالا كبيرا على غرار طبعا الفنادق الكبرى بالشريط الساحلي. ويذكر في هذا الصدد محافظ السياحة بمنطقة «ياسمين الحمامات» السيد بسام الورتلاني أن كل فنادقها ال45 من فئة 5، 4 و3 نجوم (سعتها 19 ألف سرير) باتت محجوزة بالكامل قبل أسابيع من هذه الاحتفالات. نتائج إيجابية رغم الأزمة المالية العالمية يصف الملاحظون والمهنيون التونسيون النتائج المحققة إجمالا في قطاع السياحة التونسية «بالإيجابية»، مع التأكيد أن «مثل هذه النتائج لم تكن لتتحقق لولا العناية الموصولة التي يوليها الرئيس زين العابدين بن علي لهذا القطاع الحيوي»، من خلال اعتماد إجراءات ترمي إلى الرفع من أدائه وتحقيق الأهداف التي تضمنها البرنامج الرئاسي «معا لأجل رفع التحديات»، علما أن هذا القطاع يشغل أكثر من 400 ألف يد عاملة ويوفر 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وتسعى السلطات التونسية إلى الرفع من عدد السياح العرب والأجانب بنهاية الخماسية القادمة، ما جعلها تُقبل على إستشارة وطنية واسعة، واعتماد استراتيجية جديدة للنهوض بالقطاع في آفاق 2016، وذلك من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من السياح العرب والأجانب، تحدد الملامح المستقبلية للقطاع، كما للسياحة الداخلية استراتيجيتها الخاصة بها مدعومة بدفع حكومي قوي لأصحاب الفنادق ووكالات الأسفار. الغرض من هذه الاستراتيجية تشخيص واقع السياحة والوقوف على مكامن الضعف فيها، وتقديم جملة من الإقتراحات لمزيد من الإرتقاء بها، موزّعة على 5 محاور كبرى تهدف إلى تنويع المنتوج الذي يعتبر العائق الأكبر أمام السياحة التونسية التي يرتكز نشاطها بنسبة 90٪ على المنتوج الشاطئي، والتي ما فتئت تحقق تطورا نسبيا في الأرقام من سنة إلى أخرى، ففيما يخص عدد الليالي السياحية المقضية هذا العام من قبل السياح الوافدين بلغ 35 مليون ليلة بعد أن كان لا يتجاوز ال18,5 مليون ليلة فقط سنة 1987. 841 وحدة سياحية بطاقة 238 ألف سرير وتتضمن هذه المحاور 160 إجراءً للنهوض بالقطاع، ضمن خطة ترمي من ورائها السلطات العليا في البلاد إلى تحقيق الأهداف الرئاسية المرسومة والمتمثلة في استقبال 10 ملايين سائح في أفق عام 2014، والرفع من المداخيل السياحية إلى 5 آلاف مليون دينار، بعد أن وصلت العام الحالي إلى 3461 مليون دينار، كما يظل تحسين مرتبة تونس التي صنّفتها المنظمة العالمية للسياحة في المركز ال29 في ترتيب ال40 وجهة سياحية رئيسية في العالم، الشغل الشاغل للقائمين على قطاع السياحة وكل الأطراف الفاعلة فيه، من خلال اتخاذ جملة من الإجراءات والمبادرات، من ضمنها تنويع المنتوج وتمديد توزيعه على طول السنة. ويتوقع أن تؤتي هذه الاستراتيجية أكلها، وهي التي ألزمت بتحسين جدول البرامج الترويجية خاصة بالأسواق التقليدية ، وذلك باعتماد عقود أهداف مع وكالات الأسفار السياحية الكبرى في الخارج، مع إعداد برامج خصوصية لهذه الأسواق والعمل على استقطاب السياحة ذات المردودية العالية، بالتعاون مع الشبكات العالمية للترويج، علما أن مثل هذه المهام يضطلع بها الديوان الوطني التونسي للسياحة، من خلال ممثلياته المتواجدة في عدة بلدان ببقاع مختلفة في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن قطاع السياحة في هذا البلد الشقيق الذي يمثل أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، مملوك للخواص بالكامل، وهو يحظى منذ عام 1987 بعناية فائقة من رئيس الدولة، مما ساهم إلى حدّ بعيد في إشعاعه على الساحة الإقليمية والدولية عموما وتوسيع نشاطه، حيث يضم حاليا 841 وحدة سياحية بطاقة استيعاب تبلغ 238 ألف سرير، على أن ترتفع مستقبلا بفضل مشاريع استثمارية جديدة ضخمة، يوجد بعضها قيد الإنجاز بضاحية «قمرت» على سبيل المثال والبعض الآخر في طور الدراسة. ويمكن أن نذكر في هذا الصدد على وجه الخصوص مشروع إنجاز منتجع صحراوي سياحي وثقافي ضخم من فئة 5 نجوم بمدينة «توزر» في الجنوب التونسي ستنفذه شركة «الديار» القطرية للإستثمار العقاري. السياحة الإستشفائية، منتوج في طريق التوسّع تمثل ما يسمى بالسياحة الإستشفائية رقمًا لا بأس به في سوق السياحة بتونس بوجه عام، إذ تفيد الأرقام أن نحو 169 ألف سائح من أوروبا وروسيا بصفة خاصة زاروا تونس العام الماضي للتداوي بمياه البحر خلال فصل الشتاء، حيث يجدون في المنتجعات والفنادق الكبرى الواقعة على الشريط الساحلي ضالَّتهم، لتوفرها على التجهيزات والإمكانيات الملائمة، فضلا عن «تسلح» المستخدمين المختصين فيها بالمعرفة والدراية والخبرة، ما جعل تونس تتفوق في هذا المجال على غيرها من بعض البلدان، وأصبحت وجهة مفضلة خصوصا بالنسبة للكهول والمسنين الذين يعانون من أمراض إلتهاب المفاصل وما شابه ذلك. كما يضمن هذا النوع من الاختصاص لهذه الفنادق والمنتجعات قدرا لا بأس به من النشاط والحركية الكبيرة في مثل هذا الفصل من كل عام الذي يعرف ما يشبه الركود ، تعتمد فيه أسعارمخفضة جدا، بعد فترة إقبال كبير في فصل الصيف يجعلها محجوزة بالكامل. ويعتبر مركز «برج خلف» ب «جوهرة الساحل» سوسة التابع لمجمع «مرحبا» والمملوك لسيدة أعمال تونسية، من أحدث مراكز العلاج بمياه البحر، بدأ نشاطه منذ سنة فقط، تديره الدكتورة «شمة» رفقة مجموعة من الشباب من الجنسين تلقوا تكوينا بفرنسا في مختلف الاختصاصات من ضمنها: التدليك، حركات العظام، العلاج بالتقطير وبمياه البحر والنباتات ومستخلصات الطبيعة، وتنقية الوجه.. وإن تختلف التسعيرة من اختصاص إلى آخر، فإن السعر الإجمالي لكل الحصص بذات المركز يقدر ب240 دينار تونسي، بحسب المسؤولة المشرفة، التي أفادت بوجود جزائريين من ضمن زبائنه يرتادونه بانتظام.