توسَّعت الاحتجاجات التي تشهدها تونس منذ 13 يوما واندلعت شرارتها الأولى في ولاية سيدي بوزيد وسط البلاد لتشمل مدنا كبيرة أخرى، في حين واجهت قوات الأمن المحتجين واعتقلت بعض المحامين والنشطاء الذين تقدموا المتظاهرين. في الأثناء توعد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بمعاقبة من وصفهم بالمتطرفين والمحرِّضين على العنف والشغب في الشارع، وقال: إن القانون سيُطبّقُ بكل حزم، وذلك في أول رد فعل له على الأحداث في بلاده. وكانت الاحتجاجات انطلقت من ولاية سيدي بوزيد - 265 كلم جنوب العاصمة تونس - ثم امتدت إلى العاصمة ومدن القصرين ومدنين وقابس وبنزرت وسوسة وبن قردان والقيروان وجزيرة قرقنة، ثم توسَّعت لتشمل كلا من مدن قفصة والكاف وباجة وقبلي. ونقلت مصادر محلية للجزيرة أن قوات الأمن منعت، أمس، مظاهرة نظمها الاتحاد العام للشغل. كما خرج حوالي ثلاثمائة محامٍ في مسيرة، ظهر أمس الأول، في شارع قريب من قصر الحكومة في العاصمة تونس، ورفعوا شعارات سياسية تندّد بالاستبداد . كما أفادت مصادر نقابية أن مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين اندلعت صباح الثلاثاء في مدينة جلمة التابعة لولاية سيدي بوزيد، حيث استعملت فيها الشرطة القنابل المدمِّعة التي دخل بعضها إلى المنازل وروع ساكنيها. ومن جهة أخرى أقدم شابان، أحدهما من مدينة الرقاب التابعة لولاية سيدي بوزيد والثاني من مدينة قصر قفصة من ولاية قفصة، على محاولتي انتحار احتجاجا على بطالتهما ووضعهما المعيشي الصعب. وعلى صعيد متصل، شهدت مدينة قفصة مظاهرة احتجاجية حاشدة نظمها نقابيو الجهة، وجابت شوارع المدينة تضامنا مع احتجاجات سيدي بوزيد وتنديدا بالوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد. وفي أول رد فعل رسمي للحكومة على التحركات الشعبية التي تعم البلاد، اتهم الرئيس التونسي في خطاب بث أمس الاول أطرافا سياسية وإعلامية بتوظيف الاحتجاجات وتضخيم أبعادها، مشيرا إلى أن بلاده ستواصل ما سماه السياسة التنموية ذات البعد الاجتماعي. وقال بن علي في مستهل خطابه: إنه يأسف لما خلّفته تلك الأحداث، لكنه يرفض التوظيف السياسي لبعض الأطراف التي لم يسمِّها لهذه الأحداث، وكذلك ما قال إنه تجنٍّ يسيء لتونس تبثه بعض التلفزات. وأضاف: أن بعض الأطراف تلجأ إلى بعض القنوات التلفزيونية الأجنبية التي تبث ما سماه الأكاذيب والمغالطات دون تحرٍّ، بل باعتماد التهويل والتحريض والتجني الإعلامي العدائي لتونس. كما شدد على أن لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع وسيلة للتعبير أمر مرفوض، وأن القانون سيطبق على هؤلاء بكل حزم. وقال بن علي: إنه يقدر شعور أي عاطل عن العمل. مشيرا إلى أن الدولة ستواصل سياستها وبرامجها من أجل التنمية، وستبذل جهودا إضافية لتوفير فرص التشغيل ومحاولة تحسين الأجور. وأردف: أن المظاهرات والاحتجاجات وأعمال الشغب تضر بصورة تونس لدى المستثمرين وتؤثر على الاستثمارات فيها وعلى قطاع السياحة. وكان بن علي زار، أمس الأول، الشاب محمد البوعزيزي الذي يرقد حاليا بأحد مستشفيات تونس العاصمة، لمعالجته في أعقاب محاولته الانتحار حرقا بإضرام النار في نفسه احتجاجا على تعرضه للضرب والصفع من قبل شرطية ومنعه من ممارسة عمله كبائع متجول. كما استقبل في قصر قرطاج والدة البوعزيزي ووالد الشاب محمد العماري الذي لقي حتفه برصاص الحرس الوطني في احتجاجات ببلدة منزل بوزيان، ووالدة الشاب حسن بن صالح ناجي الذي انتحر بصعقة كهربائية في مدينة سيدي بوزيد. وفي سياق متصل، منعت السلطات التونسية يوم أمس إصدار جريدتي الطريق الجديد الناطقة بلسان حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) والموقف التابعة للحزب الديمقراطي التقدمي. وأعرب المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عن عميق استيائه من التعتيم، خاصة في وسائل الإعلام العمومية التونسية على التحركات الاحتجاجية، مشيرا إلى أن التعتيم أفسح المجال للتأويل والإشاعة في غياب معلومات دقيقة ونقل موضوعي لما يجري. وأضاف المكتب أنه يدين منع وعرقلة الزملاء الصحفيين والاعتداء على بعضهم أثناء أداء واجبهم المهني. كما أدان تعمد بعض القنوات الأجنبية وخاصة قناة الجزيرة ممارسة التهويل والتحريف والفبركة في تغطيتها لأحداث اجتماعية مشروعة وسلمية وتوظيفها سياسيا . يذكر أن مجلس النواب التونسي وأحزابا سياسية أخرى معارضة انتقدوا، أمس الأول، تغطية قناة الجزيرة للاحتجاجات، معتبرين أنها تسعى لتشويه سمعة البلاد والتضليل بهدف بث الفوضى والفتنة.