اتسمت السهرة الأهقارية ما قبل الأخيرة بالكثير من الخصوصية، حيث امتزجت بين الفن التندي الترقي ونظيره الإفريقي، ناسجة لوحة موسيقية بهرت التوارق وجمهور تمنراست الذين داوموا على الحضور أوفياء لسهرات مخيم اقنار في الليلة السادسة، خاصة عندما انضم الفنان الجزائري الواعد جوبا توري إلى فرقة إيتران انهقار، وزلزل ركح ''اقنار'' بموسيقاه وفنه القناوي الذي وضع عليه لمسة عصرية جعلته يتميز ويرتدي ثوبا موسيقيا أنيقا، وتألقت كعادتها فرقة جاغوار الهول للبدار القادمة من تندوف بتقديم اللحن الترقي الأصيل في جو مفعم بالحرارة في التجاوب رغم برودة الطقس التي لم يستسلم لها الجمهور وفضل دفء اللحن على دفئ المنزل. لم تقتصر الحفلة الغنائية المستمرة إلى غاية نهاية المهرجان الدولي لفنون الأهقار، على الغناء والطرب بل حظي الفن المسرحي بمكانة في إطار محاولات حماية وتعزيز التراث اللامادي وعلى اعتبار أن للمسرح دور كبير في تفعيل وإعادة الاعتبار للتراث القديم والثقافة الأدبية حتى وإن كانت شعبية. ألهبت أغنية الفنان الجزائريجوبا توري الركح الاقناري والعدد الهائل من عشاق النغمة الترقية والإفريقية، على اعتبار أن الكثير من الأغاني الجميلة لا تجد لها نظيرا يسوق عبر المحلات، خاصة لدى أدائه لأغنية حمودة التي يحفظها الكثيرين عن ظهر قلب، إلى جانب أغاني قناوية وأخرى ذات طابع ريفي كما يصطلح عليها،على اعتبار أن جوبا حيث يحل يحظى بالإعجاب ويسرق الألباب المولوعة بالألحان والنغمة الموسيقية المتميزة. ورقص التوارق رجالا ونساء بدون عقدة وإلى جنب بعضهم البعض مرددين ذاكرة التراث اللامادي الصحراوي،واعيين بأهمية الكلمة وخطورة وقعها على الذات في هذه البيئة الهادئة بصمتها، والشرسة عندما تتمرد عليك بقساوتها. وأبدى الكثير منهم تعلقه بهذه السهرات وتمنى أن تستمر طويلا دون انقطاع لأنها بعثت البهجة والسرور في حياتهم، وجعلتهم يذيبون ذلك الجدار الذي يعبث بروتين حياتهم ويسمح بتسلل الملل إليها. والجميع الموجود هنا يدرك أن الجمهور تمنراست بصورة عامة ونظيره الترقي بصورة خاصة، يعرف كيف يتذوق الفن ويميز بين جيده ورديئه، ويساهم إلى جانب الفنان في إنجاح الحفل، حيث يشترك في تنشيطه من خلال الرقاصات الرائعة والتجاوب المدهش، وما إلى ذلك من ذوبان في الأغنية الترقية أو التندية أو الإفريقية، وكلها اليوم أدخلت عليها مسحات عصرية، خاصة ما تعلق بالموسيقى لبعض الآلات، حيث ساهمت في تقوية اللحن المدوي في عمق الصحراء الساكنة والنائمة في ليال حالمة بنهار أجمل. وقدمت فرقة جاغوار الهول للبدار من تندوف المتفرجين بدورها من خلال غنائها الترقي الصحراوي الأصيل. وبعد أن جاء دور الفنان بومبينو القادم من النيجر عرف كيف يستولي على تفاعل المتلقي، على اعتبار أن هذه الحفلة تعد له الثانية في الجزائر وفي المهرجان في نفس الوقت، وغنى للجمهور بحب مبدعا بقيتاراته وصوته المتميز .