كان المكان يضجّ بالحياة.. والصور تتزاحم في مخيلتي رغم السّكون الظاهري، الذي سَرْبَلَ الطبيعةَ بغلالة شفيفة.. أسمع خرير السّاقية على بضع خطوات مني أو على مرمى سنين مضت، وعزفَ عصافيرَ تبدع في سمفونياتها اليومية السّاحرة.. وهذا أزيز نحلة يقترب ويبتعد ، كأنه وسوسة غادة ترغب وتتمنّع.. وبين الحشائش تتفتّحُ زهرة أقحوان انغمست خجلى بين ( النجم ) عند جانب الساقية؛ فتُفتَن بها فراشة تأتي راقصة في دلال .. ( السّمسيمة ) هاته الطوافة المثقلة، ما تكاد تلمس الماء بأناملها حتى تعود فترتفع ، وتهتزّ وكأنها تحاذر أن يصيبها البلل.. وهديل حمامة في رأس نخلة مثقلة بتمور ذهبية ، ينعش روحي ويغرقها في تهاويم الوجد ! .. افترش البساط الأخضر السّندسي أسفل نخلة باسقة ، كانت يوما تمدّ لي أطرافها وتعانقني باستحياء.. ثمّ أغوص في حلم الطفولة الوردي .. وأزفر بحرقة : يا ليتني أبقى ثمّة مخلّدا.. !