العاصمة تكاد تنفجر، الزحام في كل مكان، أبواق السيارات تنطلق من كل جهة، كل الطرق مقفلة، الحياة فيها لا تطاق. البطالة تفتك بشبابها الذي يعاني من مزاحمة غيرهم من الشباب الوافدين إليها من الولايات الداخلية، مع العلم أن هؤلاء يمكنهم العمل كل في مسقط رأسه، ومع ذلك يتركون عملهم ويفارقون أهاليهم وشعارهم »الكل يهون في خاطر عيون العاصمة«، فما تقولون في شاب يقطن في ميلة، لديه مقهى للأنترنت، ومحل لبيع الدقيق بالجملة، ومحل آخر نسيت النشاط الذي يمارس فيه: سحرته العاصمة التي درس في جامعتها، وتخرّج منها بشهادة. قرر أن يشتغل بها في المدارس الخاصة كأستاذ في التسيير والإقتصاد، مطلقا بذلك الأهل والخلان ومتحملا »التمرميد«، وباذلا مصاديف هو في غنى عنها. والكل يعرف غلاء كراء الشقق، ولكن يبدو أنه وجد الحل، فهو لن يكتري شقة بمفرده بل سيتشارك في ذلك مع شباب مثله، يقاسمونه نفس التفكير والمنطق إن صح أن نسمي هذا منطقا. الحق وجدتني مستغربة من تصرف هذا الشاب المتعلم وأمثاله كثيرون، لذلك سألته عن سبب إقدامه على فعلته هذه، فكانت إجابته بأنه لا يحب العيش في العاصمة، ولكن يحب أن يكون متواجدا فيها، لأنها مركز للأحداث ومنطقة عبور، وهو يحب أن يكون قريبا من الأحداث، جوابه لم يقنعني وهو لا أظنه اقتنع بإجابته. إن نزوح السكان القاطنين الولايات المجوارة وحتى البعيدة جعل العاصمة تنقهر، فقد صارت مرتعا للعديد من الآفات الإجتماعية، وجعلت الإختلال هو السمة الضاربة في العاصمة، فماذا لو اشتغل كل في ولايته، هل كنّا سنشتكي من البطالة والزحام و...و... ------------------------------------------------------------------------