في كثير من الأحيان يُربط عمل المرأة في الإعلام بالمظهر الذي يكون عند البعض المعيار الأساسي لاختبار القبول خاصة في قطاع السمعي البصري الخاص، حتى صرنا نرى بعضهن تلجأن إلى الخداع البصري حتى تظفر بالمنصب ولكن وسط هذا أعجبني لقب أطلق على شخصية إعلامية بارزة في التلفزيون الجزائري وعالم الصحافة عامة لخصته كلمة «المحاربة»، فرغم أن لها من الجمال الشيئ الكثير استطاعت انتزاع هذا اللقب من زملائها الرجال الذين وجدوا فيها المرأة عندما تصمم على النجاح وإثبات الذات. «المحاربة» هو لقب يجب أن تحمله كل إعلامية داخلها حتى لا تكون لقمة مستساغة لمن يريد أسرها وسجنها في صفة «ناقصة عقل ودين» أو الفهم الخاطئ للآية الكريمة «وللرجال عليهن درجة» (البقرة الآية 228)، فتكون دائما أقل شأنا، يجب ألا تكتفي بجمال قد يزول في أية لحظة فتعمل بجد كما يفعل زميلها دون الإحساس بالظلم أو التواطؤ وبعيدا عن الشعور بالمؤامرة، لأن كفاءتها تتكشف بيدها لا بيد غيرها وجدارتها لا تبرز إلا بتفانيها. الإعلامية «المحاربة» يجب أن تكون القلم الذي لا يكتب إلا حقيقة وصوتا لا يتكلم إلا عن واقع معاش، فكما كانت الإعلامية في العشرية السوداء تتنقل إلى كل مكان لكشف الغطاء عن مأساة الجزائري ولتزرع أملا في غد أفضل رغم كل السواد الذي كان يحيط بها وكل تلك الأسماء التي اغتيلت من الصحفيات لترهيب من كن ّعلى قيد الحياة، إلا أنهن كن كلهن «محاربات» لا يرضين بالخضوع أو الانكسار في زاوية الهامش. استطاعت «المحاربة» التي جسّدت كل امرأة إعلامية في تلك الفترة أن تلملم جراحها وتمسح دمعها لترفع شعار «العيش معا بسلام» بعيدا عن الضغينة والكراهية التي أدخلت أجيالا كاملة في نفق مظلم، فمشت في المسالك الوعرة وفي الجبال الخطرة فقط لتنقل شهادة عائلة أو شخص يريد الخلاص من سنوات الدم، وضعت بين عينيها الجزائر لتجازف وتغامر بحياتها من أجل نقل الحقيقة إلى المجتمع وبالفعل استطاعت «المحاربة» على اختلاف أسمائها رفقة زميلها الرجل أن يعطيا الجزائري أينما كان ومهما كان انتماؤه ومعتقده حقيقة القدرة على تجاوز الألم لبناء مستقبل أجمل، حملت المحاربة سلاحا لا يحسن استعماله إلا من كان صادقا مع نفسه، سلاحا تصنفه الدول العظمى بالفتّاك رغم بعده عن الصناعة وأسرار المعادلات الكيميائية.. هو فقط كلمة. «كلمة» أدركت المحاربات في الإعلام الجزائري خطورتها فنذرنّ أنفسهنّ لتكون حقيقة لا كذبا بعيدا عن ألاعيب السياسة، حاربن في صمت وفي الظل غير آبهات بصحتهن أو عمرهن كيف يمر، غير باحثات عن التشريفات والتكريمات فالبسمة التي ترتسم اليوم على الوجوه، والأمن السائد في كل مكان والإنسان الذي يعيشه الجزائري هو أقصى شرف تمنينه طوال مسيرتهنّ المهنية كمحاربات في الإعلام الجزائري.