ستتدعم الساحة الإعلامية في الجزائر بقانون جديد ومدونة لأخلاقيات المهنة وقنوات تلفزيونية موضوعاتية ناهيك عن رفع التجريم عن الجنح الصحفية. هي المحاور الأساسية التي تحدث عنها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في خطابه للشعب الجزائري أول أمس. وتعكس هذه المكاسب التي ستستفيد منها السلطة الرابعة في الجزائر ثمرة نضال طويل وتتويج لمرحلة تحول تميزت أحيانا بالصعوبة مع التعددية الإعلامية في 1990 وما رافقها من ميلاد عناوين خاصة. وساهمت هذه العناوين إلى جانب العمومية في إعطاء تنوع للمشهد الإعلامي. وجدت الصحافة الوطنية بشقيها العمومي والخاص خلال مرحلة التحول نفسها بين أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة وظروف أمنية متدهورة وعدم استقرار سياسي، وهو ما أثر على أدائها خاصة في ظل نقص تجربة الصحفيين الجزائريين الذين دفعوا ثمنا باهضا وسقط منهم أكثر من 60 إعلاميا برصاص وقنابل الإرهاب. ومازاد في متاعب الساحة الاعلامية آنذاك هو تجميد بعض مواد قانون الاعلام 90 04 خاصة المتعلق بالمجلس الأعلى للاعلام الذي كان الهيئة التي تضبط الساحة الاعلامية، وهو ما خلق بعدها فوضى كبيرة في الممارسة المهنية ووقوعها في مجال الدعاية للأعمال الإرهابية دون إدراك المخاطر والتبعات. جعل هذا الوضع وزارة الداخلية تلجأ لإصدار تعليمة 7 جوان 1994 التي منحت صلاحيات إلغاء المقالات التي تتناول الأعمال الارهابية حفاظا على المصلحة العامة، كما بقيت المواد المتعلقة بإصدار قانون للإشهار وسبر الآراء مغيبة، وهي المواد التي أثرت سلبا على تطوير مهنة الاعلام وجعلت الكثير يطالبون بضرورة مراجعتها لاعادة التوازن للمهنة التي خلقت فضاءً مشتتا كانت المصلحة العليا للوطن هي الضحية الأكبر له. وعليه فقانون الإعلام الجديد الذي شدد عليه رئيس الجمهورية سيكون فرصة لمعالجة جميع الاختلالات، من خلال إشراك أهل الاختصاص لتفادي أية ثغرات مستقبلية وضمان تقاطع أسرة الاتصال في برنامج يعزز مكاسب الجزائر، لأن اتساع الهوة بين السلطات والاعلام جعل مواقف الأسرة الإعلامية مشتتة ومفتقدة للقوة التي تحشد الرأي العام حول أمهات القضايا، لأن تأثير الاعلام الخارجي بدا واضحا، وهو ما يجب معالجته في قانون الاعلام القادم. ويعول على مدونة لأخلاقيات المهنة في ضبط الممارسة الصحفية ومنع استغلال حرية التعبير للمساس بالحياة الشخصية للأفراد والوقوع في السب والقذف، لأن تعديل قانون العقوبات في صيف 2001 وتجريم الجنح الصحفية وما تبعه من صدمات كبيرة واحتجاجات واسعة أثر كثيرا على المهنة ولم يضع حدا لتلك الكتابات التي اعتبرت تجاوزات. ويعود الحديث على أخلاقيات المهنة الاعلامية بعد فشل تجربة المجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة الذي أنشئ في الجزائر في 2000 وتعثره في فرض سلطة معنوية على الصحفيين من أجل تفادي انحرافات الإعلام. غير أن الميثاق لم يحترم وبات أمرا يسخر منه العديد من الاعلاميين الذين رفضوه بسبب عدم الاجماع عليه وتحجج الكثير منهم بعدم إشراكهم في مسار تحضيره ونشأته. وبالمقابل، سيجد التلفزيون الجزائري أمام فرصة تطوير امكانياته من خلال الاستفادة من قنوات موضوعاتية خاصة بالأخبار والرياضة والثقافة والاقتصاد لتطوير الحق في الاعلام والانقاص من التبعية للاعلام الخارجي الذي بات عاملا حاسما في توجيه الرأي العام وقلب موازين القوى والاستجابة لتطور الوعي والانشغالات الداخلية للإعلام.