أمنيتي مشاهدة هذا المسلسل قبل رحيلي عن الحياة ! كشفت الأديبة الكبيرة زهور ونيسي في حوار ل”الشعب” عن انتهائها من كتابة سيناريو مسلسل حول حياة العلامة عبد الحميد بن باديس، معتمدة على شهادات شقيقه عبد الحق، مشيرة إلى أنه الآن بين يدي شركة وطنية للطبع والنشر ينتظر منذ ثلاث سنوات تمويله من قبل الجهات الوصية، وقالت إنها تتمنى أن يرى هذا المسلسل النور الذي اجتهدت في كتابته كأديبة وكاتبة، وكمهتمة بالتاريخ قبل وفاتها.. سمعنا أنكم تحضرون لكتابة سيناريو حول حياة وأعمال ومآثر العلامة المصلح عبد الحميد بن باديس، هلا حدثمونا عن هذا المشروع؟ طلبت مني شركة وطنية للطبع والنشر أن أكتب سيناريو حول حياة وأعمال عبد الحميد بن باديس، لأنه في برنامج هذه الشركة التركيز على بعض الشخصيات الوطنية التي صنعت تاريخ الجزائر، فتبنيت الفكرة وانطلقت في هذا المشروع، وكتبت سيناريو أخد مني فترة 5 أو 6 سنوات، وهو حاليا موجود لدى هذه الشركة وينتظر فقط التمويل، حيث أن هذا المشروع سيكون مهما من الناحية المادية، وأيضا ينتظر إيجاد مخرج من المخرجين الذين تخصصوا في إبراز الشخصيات التاريخية. هذا السيناريو أخد مني مدة طويلة، ولكنه أفادني وأنا المهتمة بالحركة الإصلاحية في الجزائر، والمهتمة أيضا بعبد الحميد بن باديس كأحد رموز الحركة الثقافية في الجزائر عبر التاريخ. ومهتمة أيضا لأنني من مدينة الجسور المعلقة قسنطينة، ودرست في أول مدرسة أسسها بن باديس، فبدأت في السباحة في مجال التاريخ، وعدت إلى الكتب والمجلدات والانترنيت، إلى جانب مكتبة الإمام التي هي بحوزة أخيه عبد الحق. فبن باديس شخصية ربما أقول إنها تفوق الكثير من شخصيات النهضة الإسلامية في العالم، وهو لا يقارن فقط بمحمد عبدو الذي كان يعتمد في حركته على النخبة، بل كان بن باديس يعتمد في حركته على الشعب، وعندما بدأ يقول القصائد أول ما نادى به “شعب الجزائر مسلم”، فهذا الرجل الذي تنبأ بأنه يؤسس لجيل كبير سيخوض في يوم ما ثورة التحرير، لأننا نجد أن جبهة التحرير التحق بها معظم أساتذة وطلبة وتلاميذ المدارس الحرة، وهو ما لا ينكره التاريخ، ولذلك تنبأ بهذا الجيل القادم وعمل على تشكيله وتشبيعه بأفكار وطنية معينة، فعندما كان يدخل إلى المدرسة صباحا كانت تلميذاته ولم أكن أنا منهم لأنني لم أحضر حياته إلا وعمري 6 سنوات، كانت أختي الكبرى وزميلاتها يقفن عند ساحة المدرسة ويحيين الإمام الذي كان يطل عليهم من الشرفة بشعار الجزائر وطننا، العربية لغتنا والإسلام ديننا. هذا الرجل الذي اكتشف قبل غيره أن الحضارة ليست عرقية، وأن الجزائر لها جذور وعروق ضاربة في التاريخ، وأنها أمازيغية وأنها تعتز بقبائلها المختلفة، لأنه كان من قبيلة صنهاجة، وأيضا عائلة ونيسي من صنهاجة وأحد أجدادي حمدان الونيسي الذي درس الإمام. فكان عبد الحميد بن باديس لا يتنكر أبدا لجذور الشعب الجزائري، بل إن هذه الثوابت التي نتغنى بها اليوم، ألا وهي الثوابت الوطنية، الأمازيغية والإسلام، والعربية كان قد أسس تلامذته والنشئ الكبير الذي جاء من بعده على هذه الأفكار السليمة، وإلا لا يمكن أن نبقى هكذا ونحن تلامذته نعتز بجزائريتنا وأمازيغيتنا ولغتنا العربية، وإسلامنا وندافع على هذه المبادئ، ونعمل من أجلها. هناك من أصدقاء الإمام من ينادون بضرورة تسليط الضوء على حياته أكثر، حيث أن هناك دراسات تحمل معلومات خاطئة عنه، وباعتباركم اعتمدتم على الكتب والانترنيت، ألم تتخوفوا من نقل هذه المعلومات غير الصحيحة عن المصلح العلامة، خاصة ما يتعلق بوفاته؟ أنا اعتمدت في كتابة السيناريو على الوثائق والكتب ومكتبة الإمام، كما اعتمدت على عائلته، وبالخصوص شقيقه عبد الحق الذي كان يبلغ آنذاك ال20 سنة، وكان من تلامذة الإمام أيضا، ويذكر جيدا يوم وفاته، وكيف بكى أكثر من غيره على أخيه، ويعرف كيف أن وفاته كانت طبيعية، فقد كنت أتصل به في اليوم 3 أو 4 مرات حتى يؤكد لي معلومات معينة أو حادثا من خلال الوثائق والصور الخاصة ببن باديس. إضافة إلى ذلك كان يعالجه الدكتور بن جلول، وقد كان صاحب حزب في ذلك الوقت، ومن عائلة زوجته وأمه كذلك التي تنتسب إلى عائلة بن جلول، ولكنه من كثرة لهفته على بن باديس الذي كان ينطفئ كالشمعة قبل وفاته، نصحهم بإحضار طبيب آخر فرنسي مختص من العاصمة، وجاءوا به من قسنطينة حتى يُشخص مرض الإمام، وأعتقد أنه مات تعبا وعياء، ومن قلة التغذية لأنه كان يُفطر على الحليب والتمر فقط، إلى جانب العمل الكثير، وفي ذلك الوقت لم يكن يُنتبه إلى كلمة فقر الدم، أو العياء.. فهو قد ترك عائلته وما تملكه من مال وجاه وسيادة وعراقة في قسنطينة، وكان يعيش في بيت صغير في مدرسة التربية والتعليم، فأعتقد أن قضية تسميمه قضية أرادت من خلالها فرنسا أن تبرز أنها تستهدف العلماء، وقد فعلت ذلك فعلا، فهو لم يمت هكذا من دون قيود استعمارية، ولا تنسي أن أباه حرم من الاستمرار في تجارته، وأجبر على دفع الضرائب أكثر من غيره، لأنه ابنه لم يتوقف عن الحركة الإصلاحية. بالتأكيد أن كتابة السيناريو أخد منكم جهدا مضاعفا، فهل اكتفت زهور ونيسي بكتابة المسلسل، أم أنها ستشارك في اختيار المخرج، والممثلين، لأن الاختيار الخطأ قد يقضي على مشروع الأديبة؟ بطبيعة الحال.. أنا مدعوة لأن أستشار في كل المراحل التي سيمر بها هذا السيناريو، بدءا من اختيار المخرج إلى الممثلين، سيما الفنان الذي سيمثل شخصية عبد الحميد بن باديس، إضافة إلى المصورين، فهذه الشركة لا تريد أن تقوم بإنجاز مسلسل لا يرقى المستوى المطلوب، فهي تريد ضمان نجاحه لقيمة شخصية الإمام. وإلى اليوم لم نقم في الجزائر بمسلسل كبير يجسد شخصيات تاريخية مثل الأمير عبد القادر، فقط فيلم الشيخ بوعمامة لكنه ليس كافيا. أيضا قضية السيناريو يحتاج كما قلت إلى مجهود كبير، وكنت قبل كتابة سيناريو عبد الحميد بن باديس قد كتبت سيناريو حول المنفيين الجزائريين في كاليدونيا، والمسلسل حاليا عند المخرج الكبير السعيد عولمي، وهو ينتظر أيضا التمويل، وحبذا لو نقوم بتمويله في الذكرى ال50 لاستقلال الجزائر. وهل لاح لكم مبدئيا اسم فنان معين لتجسيد شخصية الإمام؟ لا زلنا لم نقم بذلك بعد، فاختيار المخرجين أو الممثلين يأتي بعد ضمان تمويل السيناريو. قلتم في سياق حديثكم أنكم تنتظرون التمويل، فمنذ متى والسيناريو حبيس أدراج شركة الطبع والنشر؟ انتهيت من كتابة السيناريو منذ 3 سنوات، وأقول لك شيئا أنا أديت واجبي كأديبة وككاتبة، وكمهتمة بالتاريخ، الآن بالنسبة لي انتهت مهمتي اهتممت بهذا المشروع على أحسن وجه، وأتمنى أن أرى هذا المسلسل قبل رحيلي عن الحياة ! . هل هذا يعني أن الأديبة زهور ونيسي انتقلت من كتابة الرواية إلى كتابة السيناريو؟ لا أبدا.. جاءت في الوسط كجملة اعتراضية، ولم أبتعد عن كتابة الرواية، وحاليا أنا أعكف على كتابة يومياتي، وتجربتي في جميع المجالات الأدبية والسياسية، وسأنتهي منها في القريب العاجل، فأنا كلما أتممت فصلا إلا وتذكرت فصولا أخرى.