لحظات مؤثرة وقف عليها الحضور بمسجد حمزة بن عبد المطلب، الكائن بشارع الإخوة بليلي، بمناسبة تكريم العلاّمة الشيخ محمد الطاهر أيت علجت. كانت بمثابة لفتة فريدة اتجاه هذا العالم الجليل، والرجل الفاضل الذي يعدّ حقا دائرة معارف نظرا لما يحوز عليه من علم نيّر خصّصه لإذكاء فضائل الأخلاق والتربية لدى دورات الأجيال المتعاقبة. هذا الحفل المتواضع في صورته والكبير أو المتين في مضمونه، أشرف عليه الإمام الخطيب السيد محمد بلكبير، الذي أبرز مغزى المبادرة من جوانب أبعادها الدينية والعملية، من خلال استحضار مناقب «الشيخ» وخصائل مسيرته منذ أن وطأت أقدامه زاوية «ثمقرة» ببجاية، وشغفه المتواصل بمناهل العلم. ومباشرة عقب الترحيب المشفوع بالاحترام لهذا القامة من القامات الجزائرية، تناول الكلمة الأستاذ محمد بوسلامة، الذي أضاء للحضور الذي كان مكثّفا مسار هذا الرجل من «الزاويا» الدراسية والمحطات التاريخية والمواقف الحاسمة التي مرّ بها في حياته، مخصّصا حيزا كبيرا وواسعا للأحداث المضيئة التي مرّ بها العالم الإسلامي عموما والجزائر خصوصا، مستعينا تارة بأدق التفاصيل، وتارة أخرى بأبيات شعرية لها علاقة مباشرة بالحدث والسياق والمناسبة. وقد غاص الأستاذ محمد بوسلامة في أغوار التاريخ الإسلامي والجزائري، مستقرءا سيرورة الأحداث في جوانبها السياسية والدينية والثقافية، مسقطا كل ذلك على نقطة تكريم الشيخ الطاهر. ووصف بوسلامة هذا الجمع بقيم تواصل الأجيال، وتألف بين مواثيق الأبناء باتجاه الآباء، فهم رجال عاشوا لدينهم ووطنهم وأمتهم، أي لغيرهم، لذلك فإن حياتهم طويلة. ومن عاش لنفسه فحياته صغيرة، مؤكدا في هذا السياق أن الجزائر من أوطان الكبار، أنجبت الكثير من الشخصيات العلمية، التي كان لها تأثير قوي في تكوين الرجال الذين حضوا هذه الأرض ودافعوا عنها من المسخ والتشويه. فزاوية «تمقرة» التي أسّسها الشيخ يحي العيدلي، تعرّضت لمحو كامل من قبل الاستعمار الفرنسي، إذ لم يكتف بقصفها والإغارة عليها، بل اقتحمها جنوده ودمّروها، وأتلفوا محتوياتها عن آخرها. لذلك، فإنه من الضروري تكريم أهل العلم الذين لهم ميزة خاصة لا وهي إعمار الأرض، وكذلك الانفراد بحفظ الشرع ونقله من جيل إلى جيل، فقد كتبوا التاريخ وصاغوه برقيم من الذهب. ومن جهته، أبدى العلامة الشيخ محمد الطاهر أيت علجت ارتياحه لمثل هذه المبادرة الصادرة عن أناس فضلاء وعقلاء، الذين يتميّزون بعين لا ترى إلاّ الخير والفضيلة والكمال، مبرزا بأن قوّته تكمن في كل هذا الجمع الكريم الذي يقدّر قيمة الرجال، الذين يعملون ليل نهار من أجل نشر الفضيلة والأخلاق الحميدة، دون نسيان الآباء والأجداد الذين طردوا الاستعمار. وقدّم الأستاذ عمارة نبذة عن حياة الشيخ الطاهر ومسيرته العلمية، مدعّما ذلك بأبيات شعرية رقيقة ومرهفة اتجاه هذا الرجل «رمز الوفاء». واختتم الحفل التكريمي هذا بمنح ضيف المدرسة القرآنية والشرعية برنوس وشهادة اعتراف. ونشير إلى أن هذه المبادرة تستحق كل التنويه والتشجيع، كونها الوحيدة على مستوى مساجد بلدية الجزائر الوسطى وغيرها.