اعتبر المدرب الوطني وحيد هاليلوزيتش التربص الأول الذي أشرف عنه بالمهم جدا، حيث سمح له بمعرفة اللاّعبين عن قرب بمركز ماركوسي، من الناحيتين المعنوية والتقنية. وتعدّ هذه المحطة بمثابة الانطلاقة الحقيقية لهذا المدرب على رأس ''الخضر'' كونه دخل ''الميدان'' كما يقال، كونه قبل هذا الموعد لم تكن له معلومات مضبوطة عن امكانيات كل لاعب. فالطريقة التي اختارها في استراتجيته تعتبر جديدة علينا، لأنّنا تعوّدنا أن كل مدرب جديد منذ عدة سنوات يتمّ تعيينه على رأس الفريق الوطني، يبدأ بمقابلة ودية أو حتى رسمية، دون البحث في عمق الفريق، عن أسباب التراجع أو الجو العام الذي يسود صفوف ''الخضر''، لكن بقدوم المدرب البوسني وقفنا على تفكير جديد يبدأ من الأساس، حيث أن أول خطوة انتهجها قبل بداية عمله هو إلغاء المباراة الودية التي كانت مقررة أمام المنتخب التونسي لعدة اعتبارات، أولها أنه لا يعرف الفريق ولا اللاعبين عن قرب، وتكون بمثابة مجازفة إن قادهم مباشرة للعب مباراة. كما أن التوقيت ليس في محلّه لأن أغلب اللاعبين لم يعودوا إلى المنافسة بعد، وبالتالي فإن الناحية البدنية لن تكون في الموعد، ولا يمكن إعطاء نتيجة صحيحة عن امكانيات كل واحد منهم. ضف إلى ذلك أن لاعبينا غيّر العديد منهم الفريق الذي يلعب له في الموسم القادم، خاصة وأن الوجهة الرئيسية كانت الخليج العربي. كما أن نقطة مهمة ارتكز عليها المدرب الوطني الجديد، هي مرور الفريق الوطني بفترة فراغ خطيرة أدّت إلى تذبذب نتائجه، آخرها كانت النتيجة الثقيلة التي سجّلها بمراكش، والتي عجّلت بتقلّص حظوظه في التأهل إلى الدورة النهائية لكأس إفريقيا 2012، وهذا ما يكون له تأثيره البسيكولوجي على المجموعة...! كل واحد يعرف دوره في المجموعة لكل هذه الأسباب، فإن هاليلوزيتش اختار الشيء المنطقي، وهو العودة إلى نقطة البداية مع هذا الفريق باستدعاء أكبر عدد ممكن من اللاّعبين المعنيين بالتشكيلة الوطنية، وحدّد معهم المعالم الرئيسية التي يسير عليه العمل معه لبلوغ الأهداف المسطّرة. والنقطة التي تكررت خلال الندوة الصحفية التي نشّطها يوم الاربعاء الماضي، كانت تتلخّص في الانضباط والصرامة، كونها ''الدينامو'' الحقيقي في أي عمل منهجي يؤدي إلى نتائج طيبة. فهاليلوزيتش معروف لدى الأوساط الكروية بشخصيته القوية، وعدم تسامحه مع اللاّعبين الذين لا يدخلون في طريقه تسييره للفريق الذي يدرّبه، ممّا يعني أنّنا في مرحلة جديدة لدى ''الخضر''، الذين كثيرا ما سمعنا أن بعض الأشياء الخاصة بالانضباط قد حدثت وأثّرت فعلا على آداء المجموعة ككل!!؟ كما أن التربص الأول الذي انتهى يوم الخميس جعل كل لاعب يعرف دوره في هذه المجموعة، وعليه بذل قصارى جهده من أجل ضمان مكانه في التعداد قبل ضمان مكانه كأساسي، حيث أن المدرب الوطني أكد أنه سيعتمد إلاّ على اللاّعبين الجاهزين بدنيا وفنيا، والأسماء لا تعني شيئا بالنسبة إليه بقدر ما تعني ''الفورمة'' الآنية للاعب الذي عليه أن يكون في خدمة المجموعة ككل. وشاءت الصدف أن تكون أمثلة غير محبّبة لدى المدرب في أول تربص، وهو تخلّف العديد من اللاّعبين عن الموعد، وهو ما أثار غضبه بشكل كبير، خاصة بالنسبة للاعب بودبوز الذي تعرّض لإصابة ولم يلتحق بزملائه، في وقت كان ينتظر منه المجيء حتى وهو مصاب كان أكثره معنوي من فني، ولم تعجبه تبريرات لاعب سوشو الذي من المحتمل جدا أن يكون خارج الإطار خلال المباراة القادمة التي يلعبها الفريق الوطني في دار السلام أمام الفريق التانزاني. في حين أن لاعبين آخرين أمثال فابر ومسلوب وبوعزة، غابوا لأسباب إدارية لا يمكن تحديدها بصفة دقيقة. أشياء إيجابية وفي وسط كل هذه ''الطرطة'' أشياء جد إيجابية لدى هاليلوزيتش في هذا المعسكر، والتي تحدّث عنها بكل وضوح، وهي أن الفريق الجزائري لديه امكانيات كبيرة لم يتم استغلالها بشكل جيد، حيث أنه عندما رأى اللاعبين عن قرب وتحدّث معهم، اكتشف أن الأمل موجود بقوة وإمكانية تحقيق الهدفين، وهما التأهل لكأس إفريقيا 2013 وكأس العالم 2014، فقد أكد هاليلوزيتش: ''إنّني أعرف الحلول التي لابد من الوصول إليها مع هذا الفريق، فبعد عام من العمل سترون فريقا وطنيا قويا وبإمكانه إنجاز الأهداف المسطّرة''. ويمكن القول أن الأشرطة التي عاينها المدرب الوطني أعطت له صورة أفضل عن آداء الفريق الوطني، أين لاحظ العديد من الأخطاء التقنية والتكتيكية مقارنة مع الامكانيات الفنية لكل لاعب. وبهذه الطريقة التي اختارها بوضع كل الأمور على الطاولة وتحليلها بشكل جيد، ستسمح له ضبط الخطة الضرورية لهذا الفريق الذي ينتظر منه أن يعود إلى الواجهة في القريب العاجل. ومن ناحية اللاعبين، فإنّهم عبّروا عن ارتياحهم للطريقة المختارة، كونها تعطي لكل واحد الفرصة لتقديم امكانياته وفتحت أبواب المنافسة على مصراعيها في الفريق، بعد أن كنّا نرى تقريبا نفس التعداد الذي يلعب المباريات حتى إن عاد لاعب من إصابة أو لا يلعب في ناديه. وبدون شك، فإن هذه الأمور ستختفي بعدما سمعنا من هاليلوزيتش الذي ينوي إعطاء الفرص للاعبي البطولة المحلية، الذين تألّق العديد منهم منذ الموسم الماضي. وخير دليل على ذلك احتراف بعض لاعبينا في أندية أوروبية قبل بداية هذا الموسم، على غرار سوداني وبدبودة ويحي شريف، الذين أعادوا الخط الذي كان يقود اللاعبين الجزائريين إلى هذه الأندية بعد سنوات صعبة كانت الفرق في أوروبا لا تتصل باللاعب الجزائري، وهو ما يوسع حقيقة اختيارات المدرب الوطني، ويساهم في فرض المنافسة، وبالتالي رفع مستوى الآداء.