أكثر من 276 معلم غير مصنّف بالباهية معرّض للضّياع تتواصل فعاليات شهر التراث بعاصمة الغرب الجزائريوهران، الضاربة بجذورها في أعماق العصور القديمة، من خلال تنظيم تظاهرات مختلفة تشمل جميع الفئات العمرية وبمساهمة مختلف الفاعلين في المجال، في وقت يواجه فيه الموروث المادي والمعنوي الضياع والاندثار عبر مختلف المدن الجزائرية، ما اعتبره المختصون أنفسهم جريمة في حق التاريخ وتكريس لفرضية الانقطاع الحضاري. «الشعب» تابعت النشاط وترصد أدق التفاصيل من عين المكان. اعتبر مدير الديوان الوطني لتسيير استغلال الممتلكات الثقافية المحمية بوهران، ماسينيسا أورابح، أنّ «ﻋدم اﻟوﻋﻲ ﺑﻘﻳﻣﺔ اﻟﺗراث وإهماله، نتاج تراكمات سابقة، بسبب عدم الانطلاق انطلاقة صحيحة، تضمن نجاح الخطة الإستراتيجية المرسومة لهذا المجال الحساس»، مردفا: «وإنما هي قضية الجميع من علماء ورجال الفكر والإعلام والمجتمع المدني، وحتى المواطن، وخصوصا الطبقة المسؤولة والجهات المختصة». كما أكّد ماسينيسا على الدور الكبير الذي تلعبه الأسرة في تثقيف الناشئة وتشكيل أخلاقهم وسلوكهم، فحب التراث الجزائري والانتماء له حسبه يبدأ في نطاق الأسرة أولا، فالمدرسة والمجتمع، داعيا وزارة التربية الوطنية ومختلف الشركاء إلى إعادة النظر في برامج مادة «التاريخ»، مع التركيز على تاريخ الجزائر وتلقينه نظريا وتطبيقا من خلال تكثيف الخرجات الميدانية إلى الصروح الأثرية، وكذا التظاهرات المتخصصة مع تشجيع القراءة والبحث. وأشار المتحدث وهو أحد أهم المختصين في الآثار والتراث والمدافعين عنه، إلى اتفاقية تم ابرمها قبل سنتين بين الديوان ومصالح الخدمات الاجتماعية لمديرية التربية، وتم على إثرها تدعيم 30 ابتدائية وثانوية ب 20 ألف دج لكل مؤسسة بغية كراء الحافلات لتنظيم جولة استطلاعية للمواقع التاريخية والمعالم الأثرية، ومع ذلك تم صرف هذه الأموال في أمور أخرى لا علاقة لها بالاتفاق، وفق تأكيداته. ...معالم في طي الاهمال وأوضح نفس المسؤول أنّ الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية «المحمية»، مؤسسة ذات طابع صناعي وتجاري، ميزانيتها محدودة، ورغم ذلك يسعى موظفيها لحماية مواقع والمعالم والصروح الأثرية المنشرة في كافة أرجاء الولائية المصنفة وغير المصنفة، معيبا في الوقت نفسه أن يحصر مهام الديوان في المعالم «المصنفة»، والتي لا يتجاوز عددها بوهران 24 معلم من أصل أكثر من 300 معلم. وأشار ماسينيسا إلى عديد المزارات الإسلامية والسياحية المنسية والمعرضة إلى التلاشي التام، على الرغم من موقعها الجغرافي بوسط المدينة، على غرار، مسجد حسن الباشا بسيدي الهواري، شيد عام 1797 في عهد الباي محمد الكبير بأمر من بابا حسن باشا الجزائر العاصمة، يتميز بالمئذنة المتاخمة والمغطاة بالقرميد ومدخله المزين بمجموعة من المنحوتات وآيات من القرآن الكريم بالخط الكوفي، والآن أصبح عبارة عن أطلال بسب الإهمال الذي لقيه من طرف المستعمر وما بعد الاستقلال من قبل المواطنين شعبا وسلطة، ولا يزال منذ أكثر من 12 سنة مغلقا في وجه المصليين بدعوى ترميمه. وهو حال قصر الباي الواقع بنفس الحي الشعبي، قرب جبل مرجاجو، ويعتبر واحدا من الشواهد الأثرية، التي حفرت في ذاكرة الجزائريين، فترة الحكم العثماني، حيث شيّده محمد باي الكبير بن عثمان، في نهاية القرن الثامن عشر، متخذا إيّاه مقرا لإدارة شؤون الرعية بغرب البلاد، وعرف ببايلك الغرب»، وبعد الاستقلال تحول إلى حظيرة للسكنات الفوضوية، ورغم القضاء عليها لا زال هذا المعلم السياحي بامتياز، الذي يحجّ إليه الناس من داخل وخارج الجزائر في حالة يرثى لها منذ سنة 1994، بسبب سياسات الترقيع والبريكولاج، حسب نفس التوضيحات. وفي سياق متصل، أكّد مدير الديوان الوطني لتسيير استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، أنّ عمليات الجرد العام للممتلكات الثقافية المتواجدة بالولاية توشك على نهايتها، وذلك في إطار عمل اللجنة الولائية لتصنيف المعالم الأثرية، والتي تم تأسيسها مؤخرا من قبل الوالي مولود شريفي، رغم تواجدها منذ سنوات طوال بأغلب المدن الجزائرية. استرسل ماسينيسا في كلامه متعجّبا من عدم وضع «خريطة إركولوجية» واضحة لكل المعالم الأثرية حتى يومنا هذا بكل المدن الجزائرية، ماعدا ولاية تلمسان، التي كان لها الحظ الأوفر بفضل احتضانها لتظاهرة «تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية»، ولكنه أضاف منوها إلى الطلب الذي تقدم به الديوان المسؤول عليه إلى مختلف الجهات المعنية بما فيهم مديرية الثقافة والسياحة والبلديات بهدف جرد المعالم الأثرية المتواجدة بالولاية ورصدها في شكل بطاقات تقنية أو تعريف، استعدادا لتظاهرة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2021، لكنهم لم يتلقوا أي رد. إهمال التّراث وجه آخر لتهميش التّاريخ بدورها اعتبرت قدور عقيلة، مسؤولة متحف برج الترك بمستغانم، المتواجدة بوهران في إطار التبادل الثقافي بين الولايتين، «أن الجزائر مهد لأقدم الحضارات الإنسانية، التي تركت آثارها شاهدة للعيان في كل شبر من أرضها، وأنّ إهمال هذا الكم الهائل من المعالم الأثرية وجه آخر لتهميش التاريخ الذي مارسه أبناء الوطن أنفسهم». كما أشادت عقيلة بأهمية التوارث المادي واللامادي في ربط الماضي بالحاضر وصياغة المستقبل، ومن أبرز أوجه الآثار التاريخية، حسبها، التراث العمراني؛ الذي يشكل حلقة وصل بين الماضي والحاضر، ويساهم في تعريف الناس في حضارة أجدادهم وتاريخهم، ممّا يُخلِق رابطة قوية بين الوطن والمواطن. ودعت عقيلة إلى تكاثف الجهود لحماية تاريخ المنطقة وآثارها الخالدة من التلف والضياع، مستدلة على كلامها بالوضعية الكارثية التي آلت إليها قصبة مستغانموالمدينة القديمة، شأنها شأن المعالم الأثرية الموجودة على مستوى الولاية، مؤكدة في الوقت نفسه على أهمية تأصل تاريخ الوطن والإنماء إليه في نفوس الأطفال والشباب وتناقله بين الأجيال وقالت قدور عقيلة في الختام إنّ قلة الخبرة وعدم تقدير أهمية التراث، وراء ما وصفته ب «التجاوزات التي تتعرّض لها الكثير من المعالم الأثرية في الجزائر»، موضحة أيضا أنّ عمليات الترميم والحفظ تتطلب ميزانية ضخمة ومختصين أكفاء للحفاظ على طابعها الأثري والدّقّة في التّصميم والأفكار الإبداعية التي كانت تتميز بها الأقوام والحضارات المندثرة.