تشير آخر الأرقام، أن حوادث المرور لا تزال تحصد عشرات الأرواح وتخلف خسائر مادية وبشرية متزايدة رغم ما يبذل وعلى جميع الأصعدة من أجل درء هذا النوع من الإرهاب، وما يسخر له من وسائل هائلة قصد الحفاظ على أرواح بريئة وتقليص الخسائر قدر المستطاع. لكن الأرقام المخيفة عن حصيلة ضحايا إرهاب الطرقات تكاد تمحي كل ما يتخذ من إجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، وكأن الأمر يتعلق بالعودة إلى نقطة البداية للتفكير مجددا في أنجع الطرق الممكنة للتصدي لحوادث المرور، بعد أن تبين محدودية بعض الإجراءات الردعية التي كان يعوّل عليها في السابق لوضع حدّ لتنامي الحوادث. قبل عامين فقط، حاولت الجهات المسؤولة التحكم في حوادث المرور من خلال إجراء ردعي غير مسبوق، وهو السحب الفوري لرخص السياقة دون التمييز العملي بين الأخطاء المرتكبة وحجمها، وتحصلت على بعض النتائج بحسب الأرقام التي أعلنت عنها في حينها والتي كانت ترى أنها تعدّ ثمرة للإجراءات الردعية الصارمة. غير أن التراجع النسبي لحوادث المرور لم يستمر طويلا مثلما كانت تأمل الجهات المعنية، ليعاد النقاش من جديد حول الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الحوادث والعوامل الأخرى المساعدة لحدوثها، خاصة تلك التي ينظر إليها على أنها هامشية ولا تتدخل إلا بنسبة زهيدة في العوامل المؤدية للحوادث المأساوية. وكان كانت نفس السلطات المعنية بالملف تقرّ بأهمية العمل على الجانب الآخر المعنوي، ألا وهو التوعية وترسيخ الثقافة المرورية على نطاق واسع، إلا أن ما هو موجود في أرض الواقع يبق غير كاف وبعيد جدا عن تحقيق الهدف من وراء نشر هذا النوع من السلوك الحضاري. أدرجت المصالح المكلفة بالوقاية من حوادث المرور ضمن استراتيجيتها لمواجهة الظاهرة ما بات يعرف بالثقافة المرورية والتوعية من حوادث المرور وارتأت أن تنطلق العملية من النشىء وعلى مستوى المدارس بالدرجة الأولى، لترسيخ الأفكار المرورية منذ الصغر حول العواقب الوخيمة الناجمة عن الحوادث من خلال احترام قوانين المرور والتقيّد بها والأكثر من هذا العمل على حث الصغار على توجيه من يمكن اعتباره بالنصح للأولياء، خاصة فيما يتعلق بالتقليل من السرعة المفرطة، التي تعدّ أحد أهم أسباب الإنتشار الواسع للحوادث.