رافعت الجزائر من ندوة برلين الدولية حول ليبيا لحل سياسي للأزمة، المتأججة في البلد الجار الشقيق، التي أفرزت مضاعفات خطيرة على المنطقة، الواقعة بدورها في بؤر توتر إقليمي واضطرابات، اتخذت منها شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة، فجوة للانتشار والتمادي في نشر الرعب والتسبب في المآسي. أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مجدّدا، من أعلى منبر الدورة موقف الجزائر المبدئي الثابت تجاه ما يجري في ليبيا، مبديا استعداد بلادنا لاحتضان جولات حوار بين الأطراف الليبية لاستكمال الجهود التي بادرت بها منذ سنوات سابقة، باستضافتها لقاءات بين الأشقاء، تباحثوا معا فرص السلام بروح مسؤولة تضع مصلحة وطنهم فوق كل اعتبار. تستند الرؤية الجزائرية في علاج الأزمة، إلى الواقعية الدبلوماسية، القائمة على قاعدة معيارية صلبة، بترك المجال للّيبيين للتكفل بإدارة الحوار وفق ما يمليه عليهم الضمير الحي وما تتطلبه السيادة والقرار المستقل، دون البقاء أسرى تجاذبات خارجية وإملاءاتها والتمادي في خوض المعارك بالوكالة جريا وراء تأمين المصالح ونفوذ الآخرين. تستند المقاربة الجزائرية المتميّزة بعدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي ومرافقة العمل السياسي المؤدي للانفراج، إلى رفض سياسة فرض الأمر الواقع، تطبيقا لنظرية المؤامرة التي نفذت بمكر وجنون في المنطقة العربية تحت تسمية «الربيع» المخادع، ولم تستثن منها ليبيا التي لم تخرج من النفق، وهي تعيش الآن حالة لااستقرار وتشتت ونزاعات مفتوحة على كل الأخطار والتهديدات، ما يحتّم على المجموعة الدولية تحمل مسؤوليتها في فرض احترام السلم والأمن وحماية الوحدة الشعبية والترابية لليبيا. كما يفرض هذا أيضا على المجموعة الدولية التحلي بالجدية في التعامل مع الواقع الليبي المضطرب والحالة الأمنية الهشة بوقف تسليح الأطراف المتنازعة وإقناعها بجدوى انتهاج الحوار الذي يؤمن البلد من شبح حرب مدمرة انهكت مواطنيه، الذين يتساءلون بألم، ماذا بعد، ما العمل لوقف النزيف و»التراجيديا» واستعادة دولة المؤسسات؟. انها مقاربة حثت عليها ندوة برلين، عارضة خارطة طريق لسلام بإمكانه إخراج البلد من صراع «جيواستراتيجي» دولي وإقليمي محتدم، وتحريره من تبعات أجندات الخارج وتناقضات حسابات ونفوذ القوى الاجنبية ومناوراتها لإبقاء المنطقة رهينة اختلال امني وسياسي يعيقها في إدارة شؤونها وبناء الذات والتطور. لكن خارطة الطريق هذه، تفرض مرافقة جادة من الشركاء الحاضرين في مؤتمر برلين وكذا الشرعية الدولية التي أمامها واجب الضغط لتوفير شروط أرضية عمل تسمح للفرقاء الليبيين الانخراط في حوار شامل للوصول إلى رؤية كفيلة بتشكيل حكومة توافق وطني تسند لها مهام تسيير المرحلة الانتقالية لإعادة بناء ليبيا المؤسسات، مخرج النجاة الدائم.