بعد تحديد موعد الاستحقاق القادم وانطلاق عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية والشروع في أولى إجراءات المشاركة في التشريعيات سواء كانوا مستقلين أو أحزاب سياسية، تكون العملية الانتخابية قد دخلت أولى مراحلها الحاسمة، معلنة بذلك عن بداية العد التنازلي لموعد حاسم لطالما انتظره المعنيون بالأمر سواء كانوا سلطة أو مرشحين أو هيئة ناخبة. وعلى الرغم من أن الحراك السياسي قد انطلق بقوة قبل الأوان، فإنه من المنتظر أن تتسارع الوتيرة في المرحلة القادمة بعد أن تكون كل النقاط أو جلها قد وضعت على الحروف، فيما يتعلق بالعديد من التساؤلات التي ظلت مطروحة حول مصداقية هذا الاستحقاق ومدى نية السلطات العمومية إعطائها تلك الصبغة التي لطالما طالبت بها الأحزاب السياسية، ولاسيما تلك التي تصنف في خانة المعارضة، ويتعلق الأمر باحترام أصوات الناخبين يوم الاقتراع وعدم التلاعب بها، مثلما جرت العادة، على حد اعتقاد العديد من الأحزاب والتي انضمت إليها مؤخرا أحد أهم الأحزاب المعروف عليها بولائها للنظام، ألا وهي حركة (حمس)، التي لا تزال تمارس الكثير من الضغط من أجل إبعاد كل ما من شأنه المساس بمصداقية الانتخابات والتي تأتي في مقدمتها عدم الإبقاء على حكومة متحزبة للإشراف على اقتراع (10 ماي) القادم. ويربط رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني بقاء الحكومة الحالية، التي تعني بالنسبة له فتح المجال لما يعتقد إمكانية حدوث التزوير، يربطها بتراجع الثقة في نظام الحكم. ولأنه يرى في حزبه إمكانية الحصول على أغلبية المقاعد النيابية، فقد بدأ يكشر عن أنيابه وكأن الحركة وفي حالة منع أي شكل من أشكال التزوير، ستكون المرشحة الأولى لاستقطاب أغلبية الهيئة الناخبة، وقيادة حكومة تعمل على تغيير نظام الحكم من الرئاسي إلى البرلماني. ويعتقد أن أبو جرة سلطاني، لا يزال يستمد حماسه ورغبته الجامحة في قيادة التيار الإسلامي، من نماذج بعض الدول العربية التي انتفضت شعوبها ضد الظلم والاستبداد وأطاحت بأنظمة، ليحل محلها إسلاميون كانوا بعيدين عن هيجان الشارع، واغتنموا الفرصة لينتفضوا على صناديق الإقتراع بطريقة ديمقراطية ونزاهة غير مسبوقة في الانتخابات، مما يعني أن الديمقراطية التي لا مكان لها في أبجديات الفكر الإسلامي، هي التي من أوصلت التيارات الإسلامية في كل من تونس ومصر وغيرها إلى سدة الحكم. هي، إذن قواعد اللعبة الديمقراطية، تريدها حركة مجتمع السلم أن تستنسخ بطريقة أو بأخرى في الجزائر، وهي تعتقد أنها الأكثر تأهيلا، للعب أدوار رئيسية في المشهد السياسي القادم، دون غيرها من التيارات الإسلامية الأخرى التي اكتسحت الساحة السياسية وبدت وكأنها سائرة نحو قلب معادلة التمثيل النيابي التي احتكرتها ولسنوات طويلة تيارات تقليدية قديمة. وفي ظل ضبابية مشروع تحالف التيارات الإسلامية الذي لم يكتب له ولو مجرد التبلور المبدئي، فإنه قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن تشتت لهذا التيار أو تراجع فرص هيمنته على التشريعيات القادمة، حيث أن أي توقعات حول الاتجاه الذي قد يؤول إليه الاستحقاق المقبل، قد يكون أيضا سابقا لأوانه طالما أن الأحزاب السياسية لم تنطلق بعد في حملتها الانتخابية بصفة رسمية، إذ أن هذه الأخيرة تعدّ بارومترا مبدئيا لوزن كل تيار سياسي سواء كان وطنيا أو إسلاميا أو غيرهما.