تعود ذكرى تأميم المحروقات 49، اليوم، حاملة معها السؤال الكبير، أين موقع الجزائر في هذا القطاع الحسّاس وتأثيراتها في القرار الاقتصادي؟ كيف السبيل لتحصين الذات بخيارات بديلة تؤمّنها من اهتزازات السوق النفطية الارتدادية، تعزّز مداخيلها وتصون سيادتها في محيط إقليمي ودولي متغير تميزه صراعات بين قوى متصاعدة، دخلت النادي النفطي وصارت مصدّرة للذهب الأسود، بعدما كانت مستوردة له لسنين. التحوّل الكبير الذي يعرفه سوق المحروقات، تحدي الجزائر الراهن الذي تعمل جاهدة لرفعه من خلال تعزيز قدراتها الطاقوية بتوسيع الاكتشاف والتنقيب لمواجهة أزمة تراجع احتياطي العملة الصعبة، استراتيجية تعتمد على تنويع الموارد المالية الضرورية لوضع حد لأزمة اقتصادية جراء تراجع أسعار النفط وانعكاساتها الخطيرة على تمويل الخزينة. هذا التراجع المحسوس يطرح إمكانية اللّجوء إلى الاستدانة الخارجية لتمويلات طارئة في قطاعات محدودة، من هيئات بنكية ومصرفية إفريقية تتميز بشروط ملائمة، لا ترفق بإملاءات تضرب عمق السياسة الاجتماعية وخيارات النهج الاقتصادي والتربوي مثلما جرى في حقبة سابقة مع مؤسسات «بروتون وودز». لمواجهة هذا الوضع الهش، اعتمدت الجزائر مقاربة بديلة غايتها رفع انتاجها النفطي والغازي وتوسيع صادراتها الى أسواق غير تقليدية لها وسط منافسة محتدمة، مراهنة على الشراكة الأجنبية واستقطاب الاستثمار المنتج، مقدمة إغراءات جبائية وإعفاءات من رسوم النشاط المهني، تضمنه قانون المحروقات الجديد الذي يعزز أكبر موقع سوناطراك ويحفظ سيادة البلاد على الثروة الباطنية بصفة لا تقبل التأويل والمزايدة والمغالطة. مع العلم، أن قانون المحروقات الجديد أسال الكثير من الحبر قبل التوافق بشأنه واعتباره المنطلق الآمن لاستقطاب المتعاملين الأجانب للاستثمار في البلاد دون الحاجة الى حتمية تطبيق القاعدة 51-49 في مجالات غير إستراتيجية والغاية رفع الطاقات الانتاجية للجزائر التي يعرف مخزونها تآكلا مستمرا يحمل منحنى تصاعديا جد مقلق نتيجة الإستهلاك المحلي الذي يستنفد 40 ٪ . الجزائر توجد أمام معادلة صعبة، تستدعي معالجتها بمقاربة بديلة تحدّد خيارات التغيير العاجلة ولا تسمح بالتأجيل. هي أولوية في البرنامج الرئاسي المؤكد على التحوّل الطاقوي، وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار، لتنويع و تكثيف الصادرات خارج المحروقات. إنه خيار يفرضه تراجع احتياطي البلاد من المحروقات ب 60٪،إضافة الى تراجع إنتاجها الوطني بنحو 10 ٪ سنويا يقابله زيادة غير مسبوقة في استهلاك الطاقة ب 7 ٪ سنويا، مما يستدعي بدائل سياسية طاقوية جديدة تماشيا والعوامل الخارجية والداخلية الضاغطة للحفاظ على الاستقرار الوطني أمام الرّهانات والتحدّيات.