إنها مفارقات عجيبة أحدثها وباء كورونا، الذي فرض على الدول ذات الأنظمة السياسية المتباينة التحدث بلغة واحدة ومواجهة مصير واحد. الفيروس التاجي الذي أحدث اهتزازات ارتدادية، بعد أزمات منطقة الأوروزون والدولار والين، في فترات سابقة، يستمر في ضرب بورصات المعمورة ويضغط بقوة على أسعار النفط المتهاوية، كما أحدث كذلك موجة تضامن غير مسبوق، سقطت أمامه الأنانية واعتلى الضمير الجمعي في تحدّ يؤسس لعلاقات اجتماعية جديدة ويفرض نماذج اقتصادية يكون الإنسان غايتها النهائية. هذا ما يتضح من خلال متابعة الجميع للشأن العالمي الراهن وتفحص بدقة التداعيات التي أحدثها فيروس كورونا الذي أخرج مقرري السياسات من غفلتهم وحتم عليهم مراجعة الحسابات وسوء التقدير لحدوث طارئ يقلب الأمور رأسا على عقب. فرض «كوفيد-19» فجأة حقائق جديدة وجعل الدول، متقدمة ومتخلفة، تقف، مكرهة، على مسافة واحدة من الوضع الاستثنائي، تبحث عن أنجع السبل لحماية مواطنيها بنظام الوقاية واليقظة والتأهب للسلامة الصحية باعتبارها معركة وجود. في هذا المتغير، وجدت مكونات الأمة وصناع قرارها وهيئاتها، أنفسهم في خندق واحد يقاومون بأقوى الوسائل لإخضاع الوباء بالسيطرة والتحكم فيه، متبعين الإرشات والتدابير الوقائية المتداولة عبر وسائل الاتصال والإشهار، كتجنُّب الاحتكاك مع الآخرين والتباعد، غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون، تجنب لمس العينين الأنف والفم، العزل المنزلي والحجر الصحي وغيرها... الجزائر التي تنتهج هذه الاستراتيجية الوقائية، تحسس بتطبيق التدابير الاحترازية التي اعتمدت في بداية ظهور الوباء في ووهان الصينية، شاملة إجراءات وقف كل الأنشطة وغلق المدارس والفضاءات التي تكثر فيها التجمعات، يضاف إليها التدابير التكميلية الواردة في المرسوم الجديد التي توصي بالخصوص بوضع المناطق الموبوءة تحت الحجر الصحي بصفة كلية أو جزئية، حسب درجة الخطر. نذكر، أن نظام الحجر الصحي الذي شمل ولاية البليدة كلها وامتد العزل الجزئي ل09 ولايات أخرى، يتجاوب معه المواطنون بسلوك حضري عال وحس مدني ملفت للانتباه، واضعين ثقتهم في التدابير الوقائية والجهد الوطني في التكفل بهم. ما يبعث على الارتياح، الجهود المضنية التي يبذلها الجهاز الصحي وتجنده لإدارة الظرف الوبائي الحرج، موظفا الطاقات المادية والبشرية، مستعملا آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا والمثال الحي يقدمه معهد باستور بفروعه المنشأة حديثا بولايات عدة، من تحليل دقيق لحالات مشبوهة ترسل الى المؤسسات الاستشفائية عبر النات في سباق ضد الساعة لوقف العدوى التي اقتنع الكل بأن الوقاية منها هي الخيار الوحيد، في انتظار الدواء المعجزة واللقاح السحري.