جميل أن يستنفر العالم مؤسساته لإنهاء معاناة الشعب السّوري، وجميل أن تستيقظ الشرعية الدولية ولا تنام منذ سنة لتبحث عن حل للمعضلة السّورية، حتى وإن كان بَحْثُها يسير في اتجاه واحد بغية الوصول الى نتيجة واحدة وهي إسقاط نظام بشار الأسد بأيّ شكل وبأيّ ثمن. لكن المثير للتعجّب والاشمئزاز وما يخلق غصّة في الحلق، أن هذه الشرعية المستيقظة منذ سنة دون أن يصيبها أرق، تغطّ في نوم عميق لما يتعلق الأمر بالاعتداءات والجرائم البشعة التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي دون توقف في حق الفلسطينيين طبعا فالجلاد هنا فوق الشرعية وجرائمه مبرّرة، وتدخل دائما في اطار الدّفاع المشروع عن النّفس. لم تهدأ المجموعة الدولية، ولم تركن الى الراحة منذ سنة، وهي تذرف دموع التماسيح على أبناء الشام وتستنفر قواعدها وامكانياتها لتجرّ الأزمة السّورية الى مجلس الأمن قصد الخروج بقرار يلزم الأسد بالتنحّي. تحرك ضد سوريا وتواطؤ مع إسرائيل لقد عقدت عشرات اللّقاءات والاجتماعات وطرحت العديد من المبادرات ومشاريع القرارات وأصبح شُغلها الشاغل إجبار الرئيس السّوري على المغادرة متدرّعة بحرصها على انقاذ أهل الشام من حملة الإبادة التي يتعرّضون لها. كما لجأت الى تعبئة وسائل الاعلام العربية الرائدة وحثتها على دحرجة كل أحداث العالم الى خلفية المشهد والتّركيز على الأزمة السورية وعلى ما يتعرّض له السوريون والذي أصبح ينقل بتفاصيله الدقيقة وفي غالب الأحيان دون تأكد من مصدر الخبر أو بتوجيه مقصود. أبواب مجلس الأمن موصودة أمام إسرائيل ومقابل هذا التركير المبالغ فيه والمشكوك في نواياه، لم تلتفت المجموعة الدولية ولا شرعيتها الى الشهداء الذين حصدتهم الغارات الاسرائيلية في غزة مؤخرا، بل وأصّرت على دفن رأسها كالنعام في الرمال، كما فعلت أيام حرب غزة قبل ثلاث سنوات لما سقط أكثر من 1400 شهيد جلّهم أطفال ونساء دون أن نشهد دموعا حتى وإن كانت دموع تماسيح - انهمرت من عين هذا أو تَوّعُدات صدرت من حنجرة ذاك، أو تحرك عربي في اتجاه مجلس الأمن الذي غلق أبوابه، وسد نوافذه حتى لا تصله أي شكوى أو مشروع قرار يدين قرة العين إسرائيل، واليوم يشرّع أبوابه ويستقبل بالأحضان ودون مواعيد مسبقة القادمين إليه في كل مرة بمشاريع قوانين تختص سوريا فقط وترمي كلها الى إسقاط نظامها. ولا يمكننا أن نتعجّب لموقف الشرعية الدولية الأعرج هذا، فسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها مؤسسات الأممالمتحدة وفي مقدمتها مجلس الأمن ليس أمرا طارئا وتملّص إسرائيل من أي محاسبة أو إدانة ليس حدثا مستجدّا. فمنذ أول جريمة لها في كفر قاسم ودير ياسين مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا والحرم الابراهيمي وجنين، والصّهاينة لا يُعاقبون على جرائمهم بل وتحوّلهم الشرعية الجائرة من جلادين الى ضحايا والضحية الى ارهابي يجب مواجهته بأفتك الأسلحة. الغزّاويون يعانون موتا وحصارا والعرب لا يتحركون مصدر تعجّبنا وألمنا مردّه الى موقف بعض الدول العربية التي نراها تعزف سنفونية التصعيد ضدّ النظام السوري وتعمل على إجهاض كل الخيارات ولا تُبقي إلا على خيار تنحية الأسد، في حين تتجاهل ما يتكبده الفلسطينيون والغزّاويون تحديدا من معاناة ومآسي والذين إن سلموا من الموت تحت القصف فإنهم مجبرون على مصارعة المنيّة تحت الحصار بلا كهرباء ولا دواء ولا غذاء، فلماذا لا تتحرك هذه البلدان وتذهب الى مجلس الأمن بقرارات تُدين إسرائيل ولماذا لا تستنفر المجتمع الدولي ليُرغمها على وقف عدوانها وتنفيذ قرارات الأممالمتحدة الخاصة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس..؟ بل ولماذا أصبح الإعلام العربي يتجاهل القضية الفلسطينية وأصبح يحجم حتى عن تسمية ضحايا القصف الاسرائيلي بالشهداء؟ في الواقع الأسئلة هذه ليست بحاجة الى أجوبة، ما دامت الشرعية الدولية العرجاء العمياء، تتعمّد الاستيقاظ هنا والنوم هناك.. لكن يبقى من الضروري الاشارة الى أنه مثلما يهب العالم لوقف إراقة الدم السّوري، يجب عليه أن يهب لحفظ دماء الفلسطينيين ولمنحهم حقوقهم المغتصبة كاملة، وإلزام إسرائيل بإحترام القوانين والرضوخ لها.