قدم الجزائريون درسا للمشككين في وطنيتهم وحبهم لبلدهم، حينما هبوا فرادى وجماعات لتقديم يد الدعم لمؤسسات الدولة والعاملين فيها لمواجهة جائحة كورونا، مبددين بذلك ما تحاول بعض الأطراف والدوائر الترويج عنهم عبر تقارير مغلوطة لا تستند إلى الحقائق وبعيدة تماما عن الواقع. صور التضامن والتآزر لازال يصنعها يوميا شباب، كهول، نساء ورجال، على جبهتين: الأولى، على مستوى المصالح الاستشفائية، حيث يرابط «الجيش الأبيض» في خطوط الدفاع الأولى ضد وباء الفيروس التاجي. والثانية، مع المواطنين المتواجدين في الحجر الصحي المنزلي وفي مناطق الظل، المتأثرين جراء الإجراءات الوقائية المعتمدة التي فرضت عليهم ترك أعمالهم ومصادر رزقهم إحتراما لقرارات السلطات العمومية لحصر فيروس كوفيد-19 ومنع تفشيه، فأملى الظرف والضمير على هؤلاء الانخراط في مبادرات تطوعية لم تقف وراءها أحزاب ولا تيارات سياسية ولا منظمات، بل حركها ضمير متشبع بمبادئ الدين الإسلامي وقيم ثورة أول نوفمبر الخالدة. إلى وقت قريب، حينما صرخ الوطن يستغيث تحريره من قيود المستعمر الغاشم، هبّ الجميع دون استثناء وانصهرت كل الخلافات فقط من أجل أن ترفع راية الحرية عاليا، وهو ما يتكرر اليوم حينما اشتد الوباء على الوطن بسبب عدو غير مرئي خلف عشرات القتلى ونشر الهلع والرعب بين الصغير والكبير، حيث هب الجميع لتقديم الدعم المادي والمعنوي وتوالت قوافل التضامن الإنسانية باتجاه الولايات الموبوءة تارة، وتارة باتجاه المصالح الاستشفائية، حيث تتولى فئة من خيرة أبناء الجزائر رغم الجهد المضني والضغوط النفسية التكفل الأمثل بضحايا الجائحة. وحتى حينما حاولت بعض الأطراف تشتيت الصفوف وإضعاف النوايا الحسنة عن طريق نفثها سموما عبر شائعات وأخبار مغلوطة، لتوجيه الأنظار عن الهدف الوحيد الذي ينبغي أن تجتمع عليه كل الجهود لتحقيقه، كان الرد قويا وسرعان ما علا صوت الحكمة والعقل وظهرت للعيان حقيقة الفيروس القاتل، ما هو، كيف ينتقل، وما هي خطورته؟. وشجعت الإجراءات المتخذة من طرف الدولة على فهم الوضع الصعب وطرق الصمود في معركة المواجهة للخروج منها بأقل الأضرار، ولعل انخراط الباحثين والمختصين من أهل العلم قد وسّع من دائرة التحسيس وسط مختلف شرائح المجتمع، وسهل مهمة ملائكة الأرض في التصدي للوباء، والتكفل بالمصابين رغم ساعات العمل المتواصلة التي تجاوزت في بعض الأحيان أكثر من 96 ساعة دون انقطاع. تسابق لتقديم الدعم للأطباء الدعم النفسي والمعنوي مهم في الظروف العادية، فما بالك حينما تكون وسط أزمة لا تدري نهايتها وتداعياتها. أطباء وجدوا أنفسهم دون سابق إنذار، أمام ظرف استثنائي وصعب سببه تفشي الوباء الذي انتشر بسرعة الرياح، فخلف الكثير من المصابين، اقتضى الواجب المهني ضمان الخدمة لهم حتى ولو كانت على حساب راحتهم، حيث اضطر الكثير من ممارسي الصحة إلى البقاء في أماكن العمل ساعات إضافية طويلة وأحيانا دون راحة تعيد شحن أجسادهم بطاقة جديدة للتكفل بالأعداد الأخرى التي ظلت تتلاحق، تباعا لمختلف المصالح تشكو آلام الفيروس التاجي، وتطلب المساعدة للتخلص منه. ولأن التضامن من شيم الرجال والجزائري شهم لا تثني عزيمته لا حروب ولا معارك، سارع ليكون سندا للفرق الطبية الساهرة بتوفير في بداية الأمر وسائل الحماية والوقاية التي عرفت ندرة بسبب كثرة الطلب عليها، وانخرطت جماعات عبر ورشات تابعة لحرفيين ومهنيين في عمليات خياطة الآلاف من الكمامات والبذلات الواقية، وضعت تحت تصرف المصالح الاستشفائية والأمنية. غير أن الجميل في الأمر، أن هذه المبادرات امتدت لتشمل نزلاء مراكز إعادة التربية، حيث لم تمنعهم عقوبتهم من الانضمام للجهود الوطنية في مكافحة الوباء والمساهمة من وراء القضبان بإنتاج كمامات للفرق العاملة في الميدان. وتوسعت المبادرات التضامنية إلى مجال توفير الوجبات الغذائية الساخنة وإقامات مجهزة لراحة الأطقم الطبية العاملة في المستشفيات، تولت العملية الأولى تنسيقية جمعيات شبانية بالعاصمة وتأمل في تعميم المبادرة على جميع المؤسسات الاستشفائية والولايات، كدعم معنوي أكثر منه ماديا والثانية من صاحب أحد الفنادق بولاية البويرة. وفي وقت فضلت بعض أسلاك الأمن والحماية المدنية ومتطوعي الهلال الأحمر الجزائري القيام بلفتة إنسانية، حيث توجهوا جماعة إلى مستشفى بولاية سكيكدة لتحية طاقمه الطبي، عرفانا بجهودهم المبذولة في إطار محاربة جائحة كوفيد-19. تطبيقات تمنع تفشي الوباء
كما ظهر دور النخبة بارزا في الحرب ضد الفيروس التاجي، فأكدت انتماءها للوطن أكثر في هذا الظرف الصعب بعد أن ظلت تتلقى الاتهامات بتخليها عن خدمة البلد وتفضيل الضفة الأخرى من المتوسط وحتى القارات البعيدة، وعبر مبادرات تطوعية سجلت حضورها لإدارة الأزمة ومساعدة مختلف المصالح خاصة الاستشفائية بتطبيقات إلكترونية لمنع تفشي فيروس كورونا، وأخرى ساعدت في رقمنة قطاع الصحة في ظرف قياسي لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاربة الوباء. إنهم هم باحثون ومبتكرون شباب، نهلوا العلم في الوطن، وواصلوا الدراسات العليا في الخارج، لكن حينما سمعوا نداءه لبّوه سريعا دون أن تحرك الأموال والامتيازات أطماعهم، بدليل أنهم وضعوا اختراعاتهم وخبراتهم في خدمة مؤسسات الدولة لإدارة الأزمة دون مقابل، حتى أن بعض المهندسين عكفوا على صناعة ممرات التعقيم قدمت هبات للمستشفيات، وآخرين جندوا أنفسهم وسخروا عتادهم للقيام بحملات تعقيم واسعة للمؤسسات والشوارع والساحات العمومية. في حين انخرط طلبة وأساتذة الجامعات كذلك في مبادرات إنتاج وسائل التعقيم، مثل المطهر الكحولي لتنظيف اليدين وسخروا مخابر البحث لتوفير مستلزمات الحماية للأطقم الطبية والمصالح التي بحاجة إليها في التصدي للوباء.