تعيش الجزائر اليوم حراكا سياسيا عميقا من شأنه تعزيز المسار الديمقراطي وإرساء مؤسسات دستورية قوية تعكس إرادة وطموحات الشعب وتتمتع بالمصداقية والفاعلية، مما يحقّق الاستقرار السياسي الذي يعد شرطا أساسيا لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة. فقد انتهجت الجزائر إصلاحات سيايسة جذرية مست العديد من المجالات كالأحزاب السياسية والإعلام وتمثيل المرأة في المؤسسات المنتخبة وتعزيز مكانتها إلى جانب الجمعيات المرتبطة بالمجتمع المدني. وعرفت الساحة السياسية انفتاحا مميزا فظهرت العديد من الأحزاب ببرامج ورؤى وحلول وأفكار جديدة، أعطت نفسا جديدا للتعددية السياسية والحزبية في بلادنا. فكانت الإصلاحات بمضمونها وآلياتها وقوانينها قفزة نوعية ونقلة تاريخية أعطت للجزائر القدرات الكافية والمناعة اللازمة للتكيف مع التحولات الداخلية ومواكبة التحديات الاقليمية والدولية التي تتسم بقدر من الخطورة والرهانات الصعبة. إن الإصلاحات والمشهد السياسي الجديد في ظل التشريعيات القادمة أصبحت من مواضيع النقاش السياسي بين كافة الفواعل والأطراف السياسية، وتحوّلت إلى نقطة أخذ ورد بين مختلف التيارات الحزبية. وكان إسهام مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية باعتباره منبرا للفكر والحوار والبحث العلمي، أن خصصها موضوع محاضرة للباحث الدكتور عبد العالي عبد القادر والتي تناولت مختلف أبعاد ومظاهر الاصلاحات من فتح المجال أمام تأسيس أحزاب جديدة وفتح مجال السمعي البصري وزيادة عدد مقاعد البرلمان إلى تعزيز التمثيل السياسي للمرأة. وأبرز المحاضر أن الاصلاحات بقدر ما حققت من نتائج ملموسة وخطوات إيجابية إلا أنها تواجه تحديات صعبة، كضعف المشاركة السياسية التي أصبحت هاجسا قائما بذاته، وكذلك الاغتراب السياسي لدى فئات كثيرة التي لم تعد تهتم بالشأن السياسي وسادت لديها قناعة عدم جدوى الانتخاب. كما أن المشاركة السياسية انحصرت في الجوانب الحزبية والانتخابية الموسمية مما قيّد المشاركة التلقائية والطوعية لغياب الحوافز. وأسهب الدكتور عبد العالي في تناول التحولات التي تشهدها الحياة الحزبية في العالم بفقدانها لقاعدة الجماهرية، وذلك لارتباطها بالسلطة وابتعادها عن انشغالات المجتمع المدني، واعتبر أن الحل يكمن في عودة اللحمة بين الأحزاب والمجتمع المدني. وبخصوص المشهد السياسي الجديد في ظل الانتخابات التشريعية القادمة، فقد قدم المحاضر مقاربة شاملة جعلت من الأحزاب الجديدة فرصة لظهور تسابق غير مسبوق على المشاركة السياسية وانها جاءت لتعبّر عن طموحات فئات وشرائح من الطبقة الوسطى، إلا أنها سقطت في مأزق البحث عن مواطنين ومناضلين وتحولت إلى حد ما لشركات ذات أسهم تمنح اعتمادات للمترشحين، كما أن هذه الأحزاب جاءت كمظهر من مظاهر الانقسامات داخل الأحزاب بسبب غياب الديمقراطية، وانها تستنهل من الأصوات القائمة لتضمن حضورها في البرلمان القادم. وكان بحسب مقاربة المحاضر، أن ظهرت تحالفات حزبية تجاوزت الطروحات الأنانية إلا أنه حذر من مخاطر المال السياسي وتحول الوظيفة البرلمانية إلى وظيفة لتلبية وخدمة المصالح الاجتماعية. وذهبت توقعات الدكتور عبد العالي بخصوص مستقبل المشهد السياسي إلى أن البرلمان القادم سيكون أكثر انقساما وتجزئة بسبب طبيعة النظام الانتخابي وازدياد عدد الدوائرالانتخابية وحدد مشهدين اثنين وهما: @ إن الإصلاحات ستعطي للجزائر فرصا للخروج من كرة ثلج «الربيع العربي» وتعزيز الديمقراطية على الطريقة الجزائرية. @ عدم القدرة على ضبط العملية الانتخابية وحدوث إنفلات أثناء عمليات التصويت، مما قد يفسح المجال أمام المقاطعة والفوضى. وفي نقاش مستفيض مع الحضور الذي طرح العديد من التساؤلات، خلص المحاضر إلى أن الاصلاحات السياسية تعد محطة تاريخية هامة في التاريخ السياسي الجزائري، وأن انتخابات 10 ماي المقبل تمثل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة الجزائر على تجاوز مخاطرالتحديات الاقليمية والدولية وأن الرهان أصبح بيد الشعب أكثر من أي وقت مضى.