ركز الدكتور عبد العالي عبد القادر أستاذ بجامعة مولاي الطاهر بسعيدة، ومختص في المسائل الحزبية على عدة نقاط يراها أساسية لتحديد المشهد السياسي الجديد في ظل التشريعيات المقبلة، التي يتوقع أن تفرز نتائج لم توضع في الحسبان، وأنها ستؤدي إلى تطور مؤسساتي، لكنه لا يبلغ إلى مستوى التغيير الجدري. استعرض الدكتور عبد العالي عبد القادر خلال مداخلته أمس في ندوة النقاش التي نظمها أمس مركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية، حول «الإصلاحات والمشهد الجديد في ظل التشريعيات القادمة»، جملة من المعطيات لتحليل الواقع السياسي، على ضوء الإصلاحات، التي سمحت بتطوير تجربة الديمقراطية بخصوصيات جزائرية. لقد أزالت الإصلاحات السياسية كما قال الانطباع الذي ظل سائدا لفترة طويلة، بان هناك احتكار وهيمنة على الساحة السياسية، حيث سمحت بفتح المجال لتشكيل أحزاب جديدة تعززت بها هذه الأخيرة، ما جعله يتوقع أن يكون البرلمان القادم «أكثر تجزئة». غير أن هذا الزخم من الأحزاب كما يرى المحاضر، شكلي وليس له تمثيل فعلي في الميدان، وحسبه فان التشكيلات الممثلة فعليا لا يتجاوز عددها 3 أحزاب، وانطلاقا من تحليله هذا، يتوقع أن الاستحقاقات المقبلة لن تؤدي إلى التغيير الجذري الذي ينتظره البعض. ما يميز الساحة الحزبية في نظر الدكتور عبد العالي عبد القادر هو بروز «كارتلات سياسية» متمثلة في التحالف الأخضر الذي تنضوي تحته ثلاثة أحزاب إسلامية «حمس»، «النهضة» و«الإصلاح»، وهي أول تجربة من نوعها تحدث منذ دخول الجزائر في التعددية الحزبية 1997. وأوضح في سياق متصل أن سمة التحالفات التي سبقت الانتخابات، يترتب عليها تشكيل برلمان «أكثر تجزئة»، ويرى أن فعالية هذا الأخير مرتبطة بهذه التركيبة الجديدة. وأضاف في هذا الصدد أنه من الضروري أن تراعي «الهندسة السياسية» فعالية البرلمان، الذي تم توسيع تمثيل النساء فيه، من خلال نظام «الكوطات»، والذي يعد من الأمور الايجابية التي أتت بها الإصلاحات السياسية. غير أن فتح المجال لتحسين التمثيل النسوي في المجالس المنتخبة، ينبغي كما قال الأستاذ عبد العالي أن يراعى فيه الجانب النوعي، إذ لا ينبغي أن تكون امرأة فقط لتتحصل على مقعد في البرلمان، وإنما تمتلك كفاءات تجعلها قادرة على ممارسة العمل السياسي. ومقابل الايجابيات التي أتت بها الإصلاحات، لم يخف المتحدث نظرة تبدو متشائمة فيما يتعلق بأمور أخرى ذات الصلة، بل لها تأثير في مجريات الحملة الانتخابية، وتبنى عليها نتائج الاستحقاق المقبل، ويتعلق الأمر بالإعلام السمعي البصري الذي فتح متأخرا على حد تعبيره، وهذا ما أدى حسبه إلى ضعف في هيكلة الرأي العام، وتحسيسه بأهمية الموعد الانتخابي، وضرورة التصويت للقضاء على ظاهرة العزوف الانتخابي الذي ميز الاستحقاقات السابقة. واعتبر أن فتح المجال أمام الإعلام الثقيل، سيضفي على الانتخابات نكهة معينة، ويعطي حركية للشأن السياسي، ويمكن كذلك أن يساهم في توجيه الرأي العام، الذي ما يزال يعتقد أن الانتخاب شيء غير مجد. ومن ضمن الحلول التي قدمها الدكتور عبد العالي لترقية الفعل السياسي ليساهم «في تلبية طموحات سياسية لم تعد الأحزاب القائمة قادرة على تلبيتها»، ويخرج المشاركة السياسية من «الطابع الموسمي الذي يميزها»، يرى انه من الضروري إعادة بناء اللحمة بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وبحث كيفية الاستثمار في الانتخابات المقبلة التي تمثل فرصة لإرساء قواعد ديمقراطية متينة بمراعاة الخصوصيات الجزائرية، بعيدا عن الاملاءات الخارجية.