يعتبر انتشار محلات الوجبات السريعة والخفيفة المعروفة ب«الفاست فوود” من بين أهم الظواهر المنتشرة في كل الجزائر، حيث تشهد هذه التجارة المربحة رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة، خاصة مع دخول فصل الصيف واستفادة التلاميذ والطلبة من العطلة المدرسية، حيث لا تكاد تجد فضاء عائلي أو منطقة سياحية إلا والسمة البارزة فيها هي طوابير لا متناهية من “شبه محلات” تفتقد أغلبها للمعنى التقني لوصف محلات نظرا لغياب أدنى شروط النظافة والصحة، حيث يقوم العمال فيها بتحضير وجبات غذائية في ظروف غير صحية ولا تحترم أبدا القوانين وشروط المستهلك. وفي جولة قادتنا إلى بعض الحدائق والأسواق العمومية بعاصمة الأوراس باتنة، وجدنا إقبالا منقطع النظير للمواطن على هذه الأماكن بحكم أسعارها المنخفضة من جهة وسرعة تناول تلك الوجبات السريعة، خاصة بالنسبة للعمال في بعض الإدارات وزائري عاصمة الولاية باتنة القادمين من بعض الدوائر والبلديات البعيدة لقضاء شؤونهم، فيلجئون بحكم ضيق الوقت حسب بعضهم إلى هذه الوجبات، كما يكون للاكتظاظ الكبير الذي تشهده المطاعم دورا في دفع المستهلك خاصة البسيط إلى الإقبال بقوة على محلات الوجبات السريعة. تلاميذ وقصر يقودون قاطرة “محلات الفاست فوود” إن أول ما لفت نظرنا أثناء إعداد هذا الملف، هو العدد الكبير من أصحاب محلات الفاست فوود المنتشرة في كل إقليم الولاية خاصة مدينة باتنة، مروانة، عين التوتة، بريكة التي تعج بطباخين يحملون جنسية “التلاميذ و القصر” يقومون بطبخ وجبات سريعة خاصة البطاطا المقلية والبيض وشواء اللحم، وبيعه بأسعار معقولة في حدود 100 و150 دينار ل«الساندويتش” الواحد، مع ضمان كؤوس من الماء البارد، في ظل غياب كراسي وطاولات داخل هذه المحلات، على أساس أنها محلات أكل خفيف وليست مطاعم حسب ما أكده لنا بعض من تحدثنا إليهم، بخصوص غياب بعض الشروط التي تساعد على إقبال المستهلكين. غير أن أغلب من تحدثنا إليهم في هذا الشأن، أكدوا لنا أنهم لا يحتاجون إلى دعاية ولا إلى تلك الشروط المتمثلة في راحة الزبون، لأن وجباتنا المنخفضة السعر والسريعة تجلب لنا زبائن كثر أحيانا كثيرة لا نقوى على تلبية كل طلباتهم، وهنا أكد لنا أحمد أحد عامل بحافلة “فاست فوود”: “اغلبنا تلاميذ نريد استغلال عطلة الصيف في جني بعض الأموال استعدادا للدخول المدرسي وشهر رمضان، وكذا قضاء يومين أو ثلاثة في البحر، فعائلاتنا محدودة الدخل ولا تقوى على تلبية كل طلباتنا، لذا نلجأ إلى العمل في هذه المحلات وغيرها لتدبير أمورنا”. ولا يقتصر عمل هؤلاء على هذه المهنة المؤقتة بل تجد أطفال في عمر الزهور يقومون بأعمال شاقة وممنوعة قانونا، تتناقض مع أعمارهم وبنيتهم الجسمية، الآمر الذي يدفعنا للحديث عن عمالة الأطفال في الجزائر. ... رغم خطورة “القارقوطي” الإقبال يبقى كبيرا وقفنا كغيرنا من الزبائن أمام أحد أشهر محلات بيع “ساندويتشات بالمرقاز” في ممرات بن بوالعيد بوسط مدينة باتنة، وكان الإقبال على هذه الوجبات السريعة والخفيفة أمرا مثيرا للاهتمام، فقررنا رغم كثافة وضغط الزبائن الانتظار رفقتهم للوقوف ميدانيا على عمل هؤلاء، وتفاجأنا بوجود عديد الموظفين في مهن محترمة جدا ولها علاقة مباشرة بالصحة التي من المفروض أن تكون من بين شروط تواجد أي شخص هناك ورغم نظافة المحل إلا أن العدد الكبير من الزبائن وكثرة الطلب على “الساندويتشات” حالت دون اهتمام صاحب المحل بالشروط الأخرى، كعدم وضع الوجبات فوق طاولات بدون صحون وانتشار الحشرات والذباب خاصة في الواجهة الخارجية وفوق بعض الطاولات التي لم تعجب المستهلك، فقرّر تناول وجبته واقفا، وعندما حان دورنا لنستفيد من “الخدمة” اعتذر البائع وطلب منا ا ننتظر قليلا كون “الساندويتش” المعد لنا سيكون من نصيب أحد الأطباء الذي سيلتحق بمقر عمله حالا وترجانا أن لا نحرجه، واستغلت “الشعب” ليونة البائع معنا فبادرنا إلى سؤاله كيف لطبيب يطلب من الناس أثناء زيارتهم له عدم تناول الأكل من مثل هذه المحلات ويتجاوز هو تلك النصائح ويقبل على محلات “الفاست فوود”؟، فأجابنا صاحب المحل أن هناك مجموعة كبيرة من “النخبة” تتناول يوميا وجبة الغذاء عنده بما فيهم أساتذة جامعيون ومحامون وحتى بعض موظفي مديريات الصحة والتجارة التي لطالما كانت سببا في غلق عديد المحلات وإنجاز محاضر لأصحابها. من المسؤول عن صحة المستهلك؟؟ رغم تسجيل مصالح الصحة ومديرية التجارة لمئات الحالات من التسمم سنويا بسبب مثل هذه المحلات الغذائية، إلا أن استمرار نشاط هؤلاء يطرح أكثر من تساؤل، حاولنا الإجابة عنه فطرقنا أبواب مديرية التجارة عديد المرات، حيث توجهنا إلى بعض رؤساء المصالح المعنيين مباشرة بصحة المستهلك، ولكننا لم نجد من يتجاوب معنا بحجة أن التصريح لوسائل الإعلام “خاصة المكتوبة” من الصلاحيات الحصرية لمدير التجارة، ورغم إلحاحنا على المعنيين بضرورة إثارة النقاش كوننا سنساعد على أداء مهامهم بالتحسيس بخطورة تناول الأكل في مثل هذه المحلات، إلا أنه لا حياة لمن تنادي فأحيانا المدير في اجتماع ومرة خارج المديرية لتبقى صحة المستهلك رهينة عدم اهتمام بعض الجهات المعنية مباشرة بذلك. أما بعض المصادر بمديرية الصحة، فأكدوا لنا أن دورهم يتوقف فقط على علاج المصابين بحالات التسمم وتقديم الإسعافات الأولية للمريض.